عاد السعوديون ال 72 إلى مقاعدهم بعد أن خففت شمس أبها برودة جوها، وأعلن الشيخ صالح الحصين بصوته الهادئ بداية الجلسة الأولى في التاسعة صباحاً. الخلاف المذهبي، ثم تنحى"قليلاً"، وتنازع المشاركون على فكرة فتح السياحة والجامعات للأجانب، وفجرت كلمة"جهل"قنبلة بين المنتمين إلى التيارين الإسلامي والليبرالي. جدلية"الولاء والبراء"بتعدد تعريفاتها أثارت ردود فعل داخل الحوار الإسلامي - الإسلامي، وسط إيضاح ليبرالي للوجه الآخر للقضية، وتأييد تقليدي وتنح"تكنوقراطي"، وغلفت المشاركات باحتجاجات علنية على الرؤية الأولية، وأخرى في الأروقة المجاورة لقاعة الحوار. خُصص اليوم الثاني من الحوار الوطني الخامس لمناقشة المحور الرابع الذي حمل عنوان:"صياغة رؤية وطنية للتعامل مع الآخر"، وقُسم إلى خمس جلسات، تضمنت مقترحات جديدة من المتوقع أن تحال إلى الرؤية النهائية. بدأت الجلسة الأولى، المجدولة سادساً في التاسعة صباحاً، وانتهت في العاشرة والنصف، متضمنة تركيزاً على قضايا الانفتاح على"الآخر"علمياً وعملياً والعمل على درس ثقافته ومحاولة توجيه الإعلاميين الغربيين إلى زيارة المملكة والتعرف عليها عن كثب، وتطرق البعض إلى استغلال المناسبات الرياضية. وطرحت الدكتورة نعيمة بوقري فكرة فتح السياحة والجامعات أمام الأجانب، ودعوة الإعلاميين الدول الغربية لزيارة المملكة وتنظيم مؤتمرات دولية وندوات للتعريف ب"الآخر"، وسط تأييد من سيدة الأعمال سامية الدراسي وزادت بتنظيم حملات توعوية للشباب. وذهبت الدكتورة نورة آل مهباد إلى ضرورة تجديد الخطاب الإعلامي، وتحديث أدواته ووصف الإعلام العالمي اليوم، بأنه إعلام"أخطبوطي قادر على إظهار مَوِاطن القُوى، وما زلنا عاجزين عن إظهار الجوانب الايجابية لدينا". ورأت الدكتورة رحاب القرني أن أهم مؤسسة يمكن أن يكون لها دور فاعل في التعامل مع"الآخر"، هي الأسرة كمؤسسة مجتمعية في بناء العلاقة مع"الآخر"، باعتبارها القادرة على تنشئة أفراد على احترام الاختلاف والتعايش مع التعددية. أما الدكتورة فاطمة الغشام فتؤكد حقوق المرأة في التوظيف والحقوق المالية في الاقتراض من صندوق التنمية العقاري ومنح الأراضي، ما يمكن أن يظهر ل"الآخر"الصورة الصحيحة عن المرأة السعودية. ولفتت الأكاديمية الدكتورة منى الدامغ إلى أهمية توجيه بحوث الجامعات إلى قضايا الاستغراب والتعامل مع"الآخر", وترجمة الرسائل والبحوث والكتب إلى لغة"الآخر". قنبلة"الجهل"وجدل"الولاء والبراء" تأخر المشاركون عن الدخول إلى عمق قاعة الحوار التي كان من المفترض أن تبدأ في الساعة ال 10و40 دقيقة، وأخذ رئيسها الدكتور راشد الراجح مبادرة البدء من دون الالتفات إلى اكتمال الحاضرين، ووزعت خمس أوراق على كل مشارك متضمنة مشروع،"الرؤية الوطنية للتعامل مع الثقافات العالمية". وطالب رئيس الجلسة الحضور بمناقشة"المنطلقات الاسلامية في التعامل مع الآخر"إلا أن المتحاورين ابتعدوا في بداية أطروحاتهم مما طالب به الرئيس، وكان النقاش يدور حول استراتيجيات وحشد المؤسسات الحكومية الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني للإسهام في تحسين الصورة. أول المشاركين كان يحيى آل منصور، الذي ركز على اللقاءات الرياضية وإعادة توجيه المؤسسات الإعلامية وردم الفجوة بين وسائل الاتصال السعودية والغربية، مطالباً بتبادل الخبرات والتقارير الصحافية بين الصحف السعودية والغربية. بعد الهدوء الاولي تحدثت الداعية الاسلامية اسماء الرويشد بعد ان حاولت إبعاد التهم عن المناهج الدراسية والمؤسسات الدعوية، مكررة رؤيتها بأنه"لا يجوز الخوض فيها، وهي اصل من اصول العقيدة". وأعاد الباحث عصام الشريف الحوار الى العنوان الذي طرحه الرئيس، ملخصاً رؤيته في نقاط زادت من رفع درجة حرارة الخلاف. وهي كالآتي: أولاً: تخفيف حدة الخلاف بين المذاهب. ثانياً: تفعيل دور السفارات والجهات الداخلية والدولية. ثالثاً: ادراج مادة دراسية تدور حول مفهموم الحوار. رابعاً: تنظيم برنامج تثقيفي للعاملين في غير الحقول الشرعية، والاعلاميين في المسائل الشرعية، كي لا ينقدوا من دون معرفة. ازدادت درجة حرارة النقاش بعد مكاشفات وصلت الى درجة الوصف ب"الجهل"، للمتحدثين الذين لا يحملون شهادات دينية، ويفسرون مفهوم"الولاء والبراء"الشرعي، واكتفى البعض بإسقطات تدور حول التوجه نفسه. وطلبت الدكتورة بدرية البشر الإذن بالحديث وردت"بثقة"على الآراء السابقة:"لا أظن ان احد يفترض اننا نتحدث من منطلقات غير اسلامية، وإن كان البعض منا لا يزج بمداخلته بآيات من القرآن الكريم وأحاديث شريفة". وزادت:"فإن هذا يأتي من منطلق ان المداخلة ليست وعظية، ولا فرض وصاية على الآخر، وعلى عقله وتوجيهه نحو وجهة نظر معينة، ويتهمنا البعض حين نتحدث مشكورين بالجهل وإقصائنا بدعوى عدم التخصص". ورأت ان من يدعي ذلك إنما"يعطون أنفسهم حق الوصاية والإدلاء في كل شأن، فهم يتحدثون في الفقه والمجتمع وعلوم النفس والتربية، ويفتحون مكاتب إصلاح ذات البين والاستشارات الزوجية ومعالجة القلق والوساوس والاكتئاب واستخراج الجن من البدن يشفع لهم تخصصهم في بكالوريوس الشريعة". وتساءلت البشر:"إنهم يقرون أن البغض من أصول العقيدة، فماذا نفعل نحن بقوله تعالى: إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ولم يقل جل جلاله لتباغضوا"مستغربة مصطلح"البغض الايجابي"ومطالبة بعدم إدراجه في المناهج الدراسية ضمن عنوان"أشكال البغض"، مشيرة الى"اننا نعلّم أبناءنا كيف تكره وليس كيف تحب؟". خلاف إسلامي - إسلامي وراح تعريف"الولاء والبراء"، يفُسر بطرق مختلفة الى درجة الخلاف الاسلامي ? الاسلامي، فبعض المنتمين الى التيار ذاته رأى ان"البغض للدين وليس للشخص"، اما آخرون فرأوا ان"يكون شاملاً والتعاطي في المسائل المهمة والعادلة فقط". وهدّأت مداخلات الدكتور شهاب جمجوم الاجواء بعد ان طالب بوجود حوار على مستوى الشعوب، وليس على مستوى الحكومات، مشدداً على ضرورة وضع خطة سريعة وقصيرة المدى، بلغة الندية وليس الضعف. وقابلت الدكتورة ثريا العريض الدعوات المركزة على الندوات عند"الآخر"بأنه"لا يستقي فكرته عنا من اللقاءات والمنتديات فقط، بل كل ما يذهب اليه من ممارساتنا حتى التي في الشارع، ولذلك يجب ان نرسم صورة متكاملة". وقبل ان تنتهي الجلسة احتج الشاعر الكاتب محمد زايد الألمعي على صياغة البيان التي وصفها بأنها"مثقلة بالمصطلحات الدينية". وأكمل الألمعي اعتراضه خارج القاعة مع"الحياة"مبيناً ان"هناك مصطلحات خلافية حزبية مدسوسة في موضوع الولاء والبراء"، مشككاً في ان تكون اللجنة العلمية وضعتها. وعلمت"الحياة"ان اللجنة العلمية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني"جمعت نقاط الرؤية ولم تصغها، ولم تتدخل فيها، بل أتت اليها هكذا". وعاد الالمعي مصراً بالقول"لن أوقّع، فنحن في مؤتمر يحوي جميع أطياف المجتمع السعودي، ومن المفترض ان تصاغ الرؤية ب"لغة مدنية محايدة، وليست لغة مذهبية أو حزبية متعالية عن جمهور الاعلام". مشيراً الى ان"الولاء والبراء أصبح مَرْكَباً لكل من أراد ان يركبه، من الإرهابيين أو الجاميين". "إسلاميون" ينتقدون صراحة "الليبراليين" يبدو ان توقيت تنظيم الدورة الخامسة للحوار الوطني في مدينة أبها قلب منطقة عسير كان"قارصاً"لكثير من المشاركين، بسبب انخفاض درجة الحرارة في شهر كانون الأول ديسمبر، إلا ان"قاعة عسير"التي احتضنت الحوار كانت أكثر"صيفية". القاعة التي حوت 72 عقلاً من تيارات متنوعة، و80 ضيفاً ومنظماً وإعلامياً، لم يثن البث المباشر منها، ذوي الاصوات الصريحة، التي برزت واضحة بعد تعجل الدكتورة بدرية البشر في قراءة آية من القرآن الكريم، واطلق الذين لم يمكنهم الرد ابتسامة اكثر إيحاءً من الحديث. الجدال والاتهام والبعد من الموضوع الرئيس طغى على كل شيء، وربما تقلب الطاولة في جلسات اليوم كما يتوقع البعض، تحول النقاش من طرح رؤى الى مواعظ في مخيم دعوي، تقام فيه المسابقات الدينية، وتسمى الجماعات فيه بأسماء المعارك. التساؤل يملأ الوجوه عن بعض المتحدثين وعن آلية اختيارهم، الصمت كان ابلغ عند كثر لعدم القدرة على النقاش الحقيقي، وطرح رأي صريح، تصورات مختلفة كانت تجول في المكان، فمنهم من شبه الوضع ب"لوبي نظم باكراً"، وآخرون فضلوا الصمت. على طريقة اليوم الاول اكمل التكنورقراط والتقليديون افكارهم، الا ان الاخير احبط محاولات تأجيج الخلاف في ما بينهم، وغابت"نحن ونحن"بعد تصاعد الخلاف"الاكثر اسلاموية"، وجدال"الولاء والبراء"في ظل البحث عن"بغض عصري"لصديقنا"الآخر". الآراء الصريحة حتى من التيار نفسه وجدت بغضاً من نوع آخر، ربما يسمى"بغض داخلي"، ويكاد يجزم المتجول والمتابع للحوار ان الجملة التي كتبت على مدخل قاعة الحوار التي تتلخص في"كسب القلوب اهم من كسب المواقف"، لم يقرأها"الاكثرية"الجالسة داخل قاعة النقاش. بدت أبها يوم امس اكثر برودة، الا انها لم تبرد بعض"القلوب"، التي أفرغت ما تحويه بطرق غير مباشرة، وبقي الصراع قائماً من دون"ندية"عددية، او مساحية، وسط زحف إقصائي، بتصريح وتلميح. ردهات الفندق ... "حوار" في كل الأنحاء لم تُختصر مفردة"حوار"في ما يحدث داخل القاعات المغلقة والصالات ذات الطاولات الدائرية، التي يعاود التحلق حولها مجموعة من رجالات ونساء الوطن ست مرات في اليوم، خلال اللقاء الوطني للحوار الخامس, بل إن هذه المفردة بمفهومها العام والعائم أتت على"لوبي"فندق قصر أبها، وحولته إلى"قيمة"حقيقية لكل ما يجري داخله. "كيف نربي بالحوار", و"الحوار النبوي", و"ثقافة الحوار"ليست محاور مضمنة على"أجندة"المتحاورين, انما هي عناوين كتب وضعت بترتيب معين على مدخل الفندق، وفي الردهات على طاولات منمقة الى جوار عشرات من الكتب التي لا تذهب عناوينها بعيداً من ما يخص ذلك بأي حال من الأحوال. وفي"الردهات"ذاتها تصدح كلمة حوار عبر أفواه المشاركين من الشاشات المرئية والتلفزيونات الكبيرة التي تناثرت في أرجاء"اللوبي"وهي تنقل محاورات المتحلقين حول الطاولات في الصالات المغلقة, ولا يقف الأمر عند ذلك, ففي خضم هذا البث المباشر يتجاذب الجالسون في"اللوبي"طرف الحوار وليس بالضرورة أن يكون حوارهم عن"حوار"المشاركين في الجلسات. وما أن يخرج المتحاورون من صالاتهم الرئيسة حتى يستقبلهم مذيعو القنوات الفضائية والصحافيون المتكدسون في"ردهة"الفندق بابتسامات تدس داخلها طلباً عملياً لأجراء حوارات معهم لمصلحة وسائلهم الاعلامية, ويستمر الحوار والتحاور حتى على طاولات الطعام في ذلك المطعم الذي يتوسط"ردهة"الفندق. إشاعة منع البنطلون تثير غضب الإعلاميات رصدت"الحياة"بعض الصور والمظاهر داخل القاعة المخصصة للمشاركات، في فندق قصر أبها، وكان أبرز ما لاحظته هو افتقاد بعض المشاركات الأهل والأبناء، مثل الدكتورة بدرية البشر التي كثيراً ما تردد أنها تفتقد أبناءها، ولذلك فإنها دائمة التواصل معهم عبر الهاتف الجوال، حتى لو اضطرت الى ترك القاعة أثناء الجلسات. ولكن أميمة الخميس تجاوزت هذا الشعور، إذ رافقتها إحدى بناتها لتؤنس وحدتها، فيما اكتفت وفاء التويجري بإحضار خادمتها، ومثلها نفر قليل من المشاركات. الدكتورة ثريا العريض، التي تعد عميدة الحاضرات والأكثر تمثيلاً للسعوديات في المناسبات الخارجية، شوهدت كثيراً في"لوبي"الفندق، وهي تجري الحوارات مع وسائل الإعلام المتعددة. وممن وافقن على إجراء لقاءات تلفزيونية كل من الدكتورة سمر السقاف، ودلال ضياء، وأميمة الخميس، من خلال لقاءات عبر القناة السعودية الأولى. بينما اعتذر عن الظهور كل من نورة اليوسف، ورحاب القرني، وزكية أبو ساق، وبدرية البشر. أما أسماء الرويشد التي تمثل التيار الاسلامي فبدت أكثر تفاعلاً وحماسة، وحرصت كثيراً على تغليف مشاركاتها بعبارات الاستنكار تجاه ما يطرح حول الخطاب الديني والمناهج التعليمية. الدكتور بدرية البشر وحياة سندي أبدتا اهتماماً جدياً حول ما ينشر في الصحف، وأظهرتا احتجاجاً على بعض ما ينشر, الأولى تقول إن تقديم الرجال على النساء ظاهرة مجحفة، والثانية تؤكد أن بعض ما ينشر لا يمثل طرحها بشكل واضح. ويسود القاعة بشكل عام الوئام والمصالحة بين الجميع، ولكن اللجنة الاعلامية النسائية تضجرت مما نشرته إحدى الصحف حول منع الصحافيات من لبس البنطلون داخل المركز الإعلامي، ما حدا بهن الى أن يقترحن على الصحافيات أن يوقعن عريضة بعدم صدق ذلك.