يطرح مفهوم "الآخر" بشكل ملتبس، يكتنفه الكثير من الغموض، إضافة إلى العمومية التي تهيمن على باحث يحاول تناول هذا المفهوم، إذ يتعمق الشعور بالارتباك والحيرة وعدم الوضوح. وحتى الآن ومما يبدو لا يوجد تعريف إجرائي محدد للمفهوم، يحدد المعنى والصياغة ويتعامل مع دلالة المفردة ، فكل ما نجده لا يتجاوز الكلام في العموميات بشكل يسهم في خلق فوضى تطاول المصطلح في أحيان كثيرة ، وتزيد من تعدد الإجابات، الذي يفضي إلى حالة من التناقض، بعيداً عن إطار مرجعي وهدف واضح أو ممارسة ممكنة. من هو الآخر؟ سؤال كبير بحجم حيرتنا ولا يسعنا إلا أن نخمن: أهو من لا ينتمي لثقافتنا كإطار مرجعي عام؟ أم أتراه ذلك الذي لا يتحدث بلغتنا الأعجمي كما كان أسلافنا يقولون؟ أم لعله ذلك الذي لا ينتمي للوطن في مفهومه الضيق؟ ولو واصلنا طرح التساؤلات فستتعدد الأسئلة، وستبعد الإجابة، وحتماً ستقودنا الحيرة للتساؤل عن الآخر الموجود في الداخل المواطن الذي لا يشبهنا، الذي نختلف معه في رأيه، اختياراته الخاصة وميوله، لونه أو جنسه وصولاً إلى مذهبه. طرح المفهوم يفترض في البدء فهمه ووضوحه، وهذا هو السؤال الذي حملته"الحياة"إلى مجموعة من الباحثين والمتخصصين لمناقشته، وكانت مشاركاتهم كالآتي: اتساع المفهوم يخلق إشكاليات في التأويل نمعن في أحيان كثيرة في تمييز هذا الآخر وتحديده، حتى تتحول الذات إلى آخر نشعر به. مفهوم الآخر ملتبس، فأحياناً نجده يشمل المخالف والمختلف عنا في الهوية والديانة والتاريخ، وأحياناً أخرى نراه ذلك المغاير لنا في الجنس، الفكرة أو ببساطة ذلك الذي تخالف أفكاره بعضها بعضاً، لتصبح في عين المتابع مخالفة لبعضها ولكل منطق. هذا اللبس وعدم التحديد يزيد المشكلات، وبالتالي فاتساع المفهوم يخلق إشكاليات في التأويل والتأويل المضاد، وفي سير الحوار نفسه ومن ثم تعطيل أو عدم إنجاز ما نرجوه منه. ما نريده هو طرح أفكار متعددة بحرية ومن ثم مناقشتها وتحليلها، حتى نصبح قادرين على صهرها، لنخرج بنظرية متكاملة أو طرح شامل ومتكامل، يساعد في تفعيل الأهداف وتحقيق غاياتها. في غياب هذا التوجه ستصبح المسألة مجرد استعراض لتيارات مختلفة تتبارى على لا شيء. عالي القرشي - ناقد وأكاديمي. "الآخر"قد يتعدد الآخر هو عبارة عن كل مبدأ أو فكرة أو منهج أو حضارة، سوى ما يدور في ذهنك أو تعتقد. وقد يكون"الآخر"هو الصواب وقد يكون غير الصواب، وقد يكون هو وأنا على صواب، وقد نكون على خطأ. ولعل المناهج التي تعلمناها وتعاملنا معها في دراستنا العليا، ومناقشتنا لأفكار ومذاهب الغير أعطتنا مفهوماً حول الآخر، وأكدت لنا حقيقة أنه قد يتعدد، وعليه يصبح التعامل مع الآخر محكوماً بما أنادي به أو تنادي به. ولعلنا نلحظ في الكتاب والسنة ما يبين هذه الحقيقة، وهي كيفية التعامل مع هذا الآخر حتى أنه يتوسع مفهوم الآخر إلى الجوامد، وفي تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثل حي على كيفية التعامل الواجب مع الآخر، مهما اختلف اعتقاده أو فكره أو جنسه، في تعامل إنساني نبيل يعطي كل ذي حق حقه. هشام الزير - أكاديمي. ما يقع خارج الذات فهو"آخر" مفهوم الآخر مسمى ملتبس ويتشكل عبر طبيعة المفاهيم التي تساق له، فقد يكون الآخر هو العدو بالمفهوم السياسي، وقد يكون الآخر هو ال"نحن"بمفهوم علم الاجتماع، وقد يكون الكون الخارجي بمفهوم علم النفس الأشياء، الصور لأن ما هو خارج الذات فهو آخر. من هنا يبدو لنا الآخر متعدد الدلالة وقابلاً للفهم بأكثر من صيغة، وبالتالي فهو قابل للتشكل وللتغيير، حتى أن مفهوم الآخر قديماً يختلف عن مفهوم الآخر الآن من المنظور الثقافي، لأن الآخر عند الشاعر الجاهلي قد يكون المستمع الجمهور. لا نستطيع تحديد الآخر إلا إذا كان لدينا صياغة محددة، تشير إلى الآخر الذي يتوجب التعامل معه خارج النص النص له خارجه الذي يؤله الآخرون، وكذلك الآخر له تأويله. ومن المهم مراعاة أن الآخر يوجد في النحن، ومن المهم تحليل واقعه وفهمه ومحاولة خلق توافق معه، ولعل هذا من الأمور التي أشارت إليها الصياغة ومن الأمور التي تستحق الاهتمام والعمق حين مناقشتها. سامي جريدي - أكاديمي. تصنع وتمثيل أتفق مع الرأي الذي يؤكد على أهمية الحوار، وأنه الأسلوب الأمثل للوصول إلى الأهداف المشروعة، وبما أننا في السعودية نسعى ل"مأسسة"وطنية تحقق تطلعاتنا للمجتمع الحضاري، فلا بد من توافر آليات صحيحة ومحدثة للاتكاء عليها وتشكيل أدبيات يصنعها مفكرون وقادة للأمة. لكنني أحسب ما تم عرضه نوعاً من التصنع والتمثيل، الذي لم يعط الصورة الحقيقية لتوجهاتنا نحو الآخر، فأوراق العمل كانت تدور حول محور واحد"نحن ونحن"من دون وجود محسوس للآخر. كنت أتمنى لو أنه دعي عدد من المفكرين الغربيين للتناقش معهم، والحوار حول علاقة وتواصل الحضارات. جمعان علي الكرت أديب. "الآخر"في داخلنا هناك"الآخر"الداخلي في سياق ثقافتك، والآخر خارج ثقافتك. فالفئات الاجتماعية داخل المجتمع لها رؤاها ل"الآخر"سواء دينية أم ثقافية أم فلسفية. هذا السياق الثقافي داخل الأطياف يستلزم حواراً محليّاً. فإذا أنجزنا هذا المشروع لنفكّك ال"نحن"فذلك يمثّل خطوة جيّدة."نحن"عبارة عن"آخر"متعدّد، لا بد من تجاوز هذه الخلافات لنصبح كتلة واحدة لا تكون متطابقة. ويأتي"الآخر"الخارجي، سواء خارج سياق الثقافة أم الدين أم السياسة، سواء حوار مع الغربي أم مع المختلف. أعتقد لا بد من طرق للبحث عن القواسم المشتركة مع"الآخر"، سواء خارجياً أم داخلياً ثم نقرّ أن هناك اختلافات في الوقت الذي تجمعنا به تشابهات. فمفهوم البشرية واحد... المصالح الاقتصادية تحكم الدول كلها وهي مطلب ضروري. لا بد لكل مجتمع أن يتحاور مع"الآخر"وأن نقيم علاقتنا معه. هناك قضايا نلتقي معه فيها وأخرى نختلف فيها. لكل مجتمع خصوصية لكن عليه البحث مع"الآخر"مع ما يجمعه به. حسن النعمي - ناقد وأكاديمي. "الآخر"في مذاهب مختلفة يختلف مفهوم"الآخر"عند السعوديين باختلاف مذاهبهم وأصولهم القبلية والجغرافية، وحتى باختلاف الموروثات الإثنية لبعض السعوديين. ومن الخطأ التعميم هنا أو محاولة اجتراح تعريف واحد أو موقف موحّد أو حتى أيديولوجية مشتركة. وبصفة عامة يمكن تعريف"الآخر"بالنسبة إلينا كعرب ومسلمين، على أنه ذلك"المختلف"عن ال"أنا"العربية المسلمة. أي أن"الآخر"هو غير العربي وغير المسلم. ويكفي هذا التعريف كمنطلق لتأطير إشكالية علاقتنا ب"الآخر"، وتأزمها على مرّ العصور. لنسحب على علاقتنا بأبناء جلدتنا ممن تم نفيهم إلى خانة"الآخر"وسحب صفة الإسلام عنهم، ومن ثمّ تجريدهم عن هويتهم وانتمائهم ل"ذاتنا"لتنشطر تلك الذّات أو"الأنا"إلى"آخر"محلي تتخذ منه موقفاً سلبياً مشابهاً لموقفنا من"الآخر"الغريب لتتفاقم معضلة علاقتنا بالآخر، وبذواتنا المنشطرة بفعل عجزنا عن التعايش مع الآخرين والتواصل معهم، وبفعل قصور فهمنا لماهية"الآخر"وعدم تعاطينا لفكرة الاختلاف والتنوع داخل النسيج الكلي للذات بكل أطيافها لنتبنى موقفاً إيجابياً موحداً من"الآخر"المنافس أو"الآخر"المتفوق أو"الآخر"الذي تربطنا به مصالح تجارية وثقافية وعلمية مشتركة. فاطمة إلياس - أكاديمية. الحوار والمجادلة الأصل هو التعايش. الأصل الأصيل في حياة الناس، وقبل الخلاف كان الائتلاف، وقبل الخصام كان الوئام. لماذا نضيق بالخلاف في العقائد والمذاهب والأفكار؟ أليست جميعها عادة ربانية للابتلاء والتمحيص، ومن ثم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر من غير إطراء أو إلغاء أو إقصاء. لو جاء الإسلام بإلغاء أو إقصاء أو إكراه للآخر لما وجدنا بوذياً أو نصرانياً واحداً في العراق والشام ومصر وغيرها من البلاد التي دخلها الإسلام، فوجود الآخر لا يحول دون الدعوة والحوار والمجادلة ولكن بالتي هي أحسن. عبدالله الملحم - كاتب.