كان يوم 28 رمضان الماضي المرة الأولى التي أرى فيها الحرم عن قرب. ما إن أنهينا الطواف حتى أذن المغرب، جلسنا للإفطار، بعدها تغير كل شيء. أرض الحرم النظيفة تحولت إلى مكان مختلف تماماً. بذور التمر ملأت الأرض، كؤوس المياه البلاستيكية غطت المكان، والمياه في كل مكان. للأمانة فإن المسؤولين عن الحرم المكي الشريف عملوا ما بوسعهم كي لا يرمي المعتمرون ما لا يحتاجونه على أرض الحرم. رأيت أكثر من عشرة عمال نظافة عند الطواف حول الكعبة يقفون بين المعتمرين، حاملين أكياساً كبيرةً كي يرمي المعتمرون مخلفاتهم فيها. رأيت آخرين يحملون عبوات المناديل الورقية يوزعونها كي يمسح المعتمرون عرقهم. إحدى المعتمرات من جنسية عربية ربما لم يعجبها المنظر، رمت عبوة مياه فارغة على الأرض بعد لحظة واحدة من مرور عمال التنظيف أمامها! صديقي أخبرني أن معتمراً كان يحمل كيساً كبيراً ملأه بأنواع الطعام، قال لصديقه الذي امتنع عن أخذ عبوة من التمر"خدها يا حاج ده الليل طويل"! في السعي بين الصفا والمروة ازدادت الحال سوءاً، شعور بالاستياء عندما تطأ قدماك أرضاً عليها قليل من السكر"دبقة". بذور التمر ملأت المكان، وأعاقت مشي الكثيرين خصوصاً المسنين. جهود عمال النظافة كانت كبيرة جداً، قسموا المسعى إلى أجزاء عدة، ووضعوا أحزمة عند أماكن عملهم. اصطف أكثر من سبعة عمال جنباً إلى جنب، ممسكين ب"مساحات"ثم مشوا إلى نهاية المنطقة، والنتيجة تلال من الكؤوس الفارغة وبذور التمر وغيرهما من مخلفات المعتمرين. ما رأيته أثار دهشتي أولاً، ثم أدخل الحزن إلى قلبي. أإلى هذه الحال وصل المسلمون في عدم تنظيمهم وسوء تدبيرهم؟ أم أن أقدس بقعة على وجه الأرض لا تعني لهؤلاء شيئاً؟ هل كان أؤلئك ليرمون قمامتهم وسط بيوتهم؟ أليس أحد أسباب اختيار غالبية المعتمرين اللون الأبيض كي يتنقوا من الدنس ويزوروا بيت الله كيوم ولدتهم أمهاتهم؟ كيف يرمون إذاً مخلفاتهم في أقدس مكان يحبه الله ورسوله؟! أسئلة كثيرة تقاذفتني، لم أجد لها جواباً. لعل البعض سيقول إن مع هذا العدد الكبير من المعتمرين لا بد من أن تحدث أشياء كهذه، لكنني أقول بحسب ما رأيت إن أرض الحرم ما كانت لتتسخ لو عرف المعتمرون قدسية المكان وآداب النظافة. أعتقد شخصياً أن على الجهات المسؤولة عن حملات العمرة مسؤولية شرح أهمية هذا المكان للمسلمين جميعاً، وتذكيرهم أن"النظافة من الإيمان"، ثم على الفضائيات العربية والإسلامية إعداد برامج خاصة بموضوع نظافة الحرم المكي الشريف، خصوصاً أن مناسبة الحج على الأبواب. يحيى بركسية - الرياض