يجتمع المثقفون مع إطلالة كل عيد، على تأكيد الوجوم ومشاعر الإحباط، وعدم وجود الدواعي الكافية للفرح، في مناسبة يفترض أن يكون عنوانها الأول"البهجة"، ويتوكأون في ذلك على بيت المتنبي الشهير: عيد بأية حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد وعلى إيقاع بيت المتنبي هذا، يعزف المثقفون أنغامهم الحزينة، وكأنهم يريدون أن يعلنوا للمجتمع في مناسبة فرحه، عن ضرورة الانتباه لأهمية التشاؤم، واستصحاب حال الاكتئاب في أعيادهم. ظاهرة"اكتئاب المثقف"هذه ليست وليدة لحظة العيد، إنما هي جزء من شعور عام يكتنف المثقفين، غير أن اجتماعهم على اختيار العيد مناسبة لتأكيد حال الإحباط، من دون اتفاق مسبق بينهم، يبقى موضعاً للتساؤل، ووسط سيطرة هذا الإحساس على مشاعر المثقفين، بدأت تعلو أصوات ثقافية أخرى تحرك مجاديفها عكس التيار السائد، وتطالب بنشر"ثقافة البهجة"في حياة الناس، حتى لا تغتال هذه الفرحة. المثقفون من جهتهم، تتعدد رؤاهم واتهاماتهم حيال هذه القضية، فيؤكد أستاذ الأدب في جامعة الملك سعود، الدكتور مرزوق بن تنباك، أن غالب المثقفين من فئة عمرية ولت عنها سنوات البهجة والفرح، إذ يرتبط الفرح بمرحلتي الطفولة والشباب، وهو لا يتوافر للمثقفين من مراحل عمرية متقدمة، على حد وصفه. وأضاف:"حال الوعي لدى المثقف تنزع جانباً من مؤثرات الفرح لديه، فكل ما يحيط به من قضايا الأمة الكبرى يبعث على الحزن والوجوم، والأمر لا يتعدى انعكاس واقع الحال على واقع المثقف"، واعتبر ابن تنباك مطالبة المثقفين بنشر ثقافة الفرح، بأنها"تزييف للواقع، خصوصاً أن المثقف يترجم الواقع، وليس ما يجب أن يكون". واعتبر أن بيت المتنبي الشهير الذي لا يمل المثقفون من ترديده، دليل على وجهة نظره التي ذهب إليها، فالبيت كان انعكاساً لمرحلة عمرية وواقع محزن عاشهما المتنبي، إذ كان في العقد الخامس من عمره، وفي الوقت نفسه كان هارباً من كافور الإخشيدي. وتذهب الكاتبة حصة العون إلى زاوية أخرى، فتشير إلى أن المثقف مسكون بهموم لا تنفصل عن محيط مجتمعه، فهو، كأي فرد، قد يعاني فقراً عاطفياً أو مادياً، يقوم بترجمته برؤية محبطة، وتطالب العون المثقفين بألا ينكأوا الجراح، ويزيدوا الأوجاع من خلال طرحهم المتشائم، وأن ينتقلوا للضفة الأخرى المليئة بالتفاؤل. الشاعر حسين الجفال يتساءل:"هل يحق لنا أن نحتفل سعداء فرحين؟"ويجيب:"على رغم كونه سؤالاً واحداً، إلا أن الإجابة عليه اتخذت مسارات مختلفة، ما بين الاعتدال والتعصب، انحيازاً إلى هذا الموقف أو ما يناقضه، ويبقى المهم ألا نعيش أفراح أهل الأندلس في غفلة عما يحاك لهذه الأمة من كوارث، لكي لا نصحو مرة أخرى على بلد سليب آخر، يضاف إلى فلسطين والعراق". وأضاف:"كما أننا نعاني من احتلال لأجزاء من أراضي أمتنا، "فإننا أمة تتوق إلى الفرح وتوطيد معالم السعادة في دواخل المنتمين إليها، شأنها في ذلك شأن الأمم الأخرى". من جهته، اتهم الكاتب الصحافي حسين شبكشي الخطاب الديني المتشدد بإقصاء الفرح من أعياد مجتمعاتنا، معتبراً أن هذا الخطاب يعتمد على ثقافة تكرس الجوانب السلبية، وفق قراءة قاصرة لأمور الحياة، ومنها الاحتفال بالعيد، وهي أشبه بتكريس عقدة الذنب، لأن الفرح بالعيد، وفق هذه الرؤية، قد يفتح أبواباً للمعاصي، فدرءاً لهذه المفاسد لابد من إغلاق مجالات الفرح. وأضاف:"لابد من أن يشارك الجميع في نشر ثقافة البهجة، وتوسيع رقعة الفرح، لأن أي نظرة سلبية قد تؤثر على المدى الطويل، وبشكل خطير، في المجتمع، فيتشكل في العقل الباطن للفرد الحزن كسمة شخصية".