وقع مفهوم "الحوار" الذي يتبناه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ضحية سهلة للمشاركين في ندوة"الإعلام والحوار الوطني: العلاقة بين المضمون والوسيلة"، التي عقدت أول من أمس، عندما أكد بعضهم عدم نضج هذا الحوار، على رغم أنه في نسخته الخامسة، مرجعين ذلك إلى التخوف المسبق لدى قطاعات كبيرة في المجتمع من الحوار. واعتبر عدد من الإعلاميين أن تخوف بعض زملائهم من بث لقاء أبها الوطني المقبل، الذي أعلن عنه وكيل وزارة الثقافة والإعلام للشؤون الإعلامية الدكتور عبدالله الجاسر، مؤشر على عدم استيعاب المجتمع مفهوم الحوار الوطني، حتى الآن، وخصوصاً ما يتعلق بتقبل الرأي والرأي الآخر. وأضافوا أن لدينا ازدواجية في المعايير، وانعداماً للثقة التي لا ينجح الحوار من دونها، مؤكدين أن بقاء الحوار في غرف مغلقة بحجة حماية المشاركين، دليل على أن لدينا بيئة غير آمنة للحوار. وبرر رافضو البث موقفهم ب"الخشية من المزايدات، التي قد تدفع المجتمع إلى إقصاء أصحاب الآراء التي لا تروقه". ونالت وسائل الإعلام نصيبها من الهجوم، واتهمت بأنها لم تخدم الحوار الوطني، ولم تحاور جماعات العنف أو التطرف، وهيمنة رؤساء التحرير على كل ما يكتب، وتدخل هيئات التحرير في وقف الحوار"بحجة الانفلات وصعوبة السيطرة عليه"، واتهام الصحف"بالاستقصاء والإقصاء". وفي المقابل، تساءل آخرون عن دور الإعلام في تفعيل الضغط على"السلطة"لتنفيذ التوصيات، خصوصاً أن توصيات الحوار الأول لم تجد طريقها إلى أرض الواقع بشكل جلي حتى الآن. وكان من أبرز ما دار في كواليس الصالة النسائية، النقاش حول الحوارات المذهبية، وأن لدى فئات المجتمع كافة، قصوراً في معرفة المذاهب من الداخل، بسبب قصور في المنهج والإعلام المرئي، فيما هددت الإعلامية سلوى شاكر بالانسحاب من الندوة لتوزيع الوقت بشكل غير عادل بين المشاركين. وخلص بعض المشاركين إلى أهمية وضع آليات لبث الحوار إعلامياً، وإيجاد ميثاق شرف إعلامي للحوار نفسه، على ألا تكون هناك تجاوزات أو تجريح أو اتهام، لافتين إلى أن العلاقة بين الحوار والإعلام شراكة جوهرية. واتفق المشاركون على أن مشكلة الحوار لا تحل في مدة محددة، وإنما بتكوين جيل عبر ثلاث خطط خمسية، ويكون لها خط مواز لتفعيل الحوار، وأن ثقافة الخوف من الحوار ستزول تدريجياً، مشددين على أهمية وجدوى الحوار المباشر للمجتمع. ولم ينته الحوار في قاعات الندوة وكواليسها، بل انتقل قبل أن ينتهي هناك، إلى قناة"الإخبارية"الفضائية، التي خصصت بثاً مباشراً عن موضوع الندوة، واستضافت مشاركين ومشاركتين، واستقبلت عدداً كبيراً من المداخلات التي سخنت أجواء الحلقة، أكثر من سخونة الندوة نفسها. وربما أن التفاعل السريع الذي بلورته"الإخبارية"، كان ثمرة لبعض الأطروحات التي شهدتها الندوة، مثل المطالبة بزيادة البرامج الجماهيرية، ما يعني مزيداً من التواصل مع الآخر، وتوجيه التلفزيون إلى الثقافة الجماهيرية، وكيفية استغلال المواد الإعلامية في بث قيم الحوار. في ما يأتي مقاطع من بعض أوراق المشاركين في الندوة: 1- خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة نعم.. لا بأس أن نختلف في آرائنا. وأن يشرِّق البعض منا ويغرِّب الآخرون في مجمل وجهات النظر ضمن رؤية كل واحد في رأي يحمله أو وجهة نظر يتبناها. المهم أن يكون مثل هذا التباين نقطة الوصول لما قد يكون مقطوعاً. فهذا هو الأسلوب الأمثل للحوار الحضاري الذي ينبغي أن نسعى إليه كمخرج من الحال التي نحن فيها.... إنها ظاهرة صحية ستكون محل التقدير لو تمت على هذا النحو... باعتبار أن ذلك يعد بمثابة جسر للتلاقي بين عدد من الطروحات المختلفة. ومن المفيد أن يثار النقاش عنها وحولها من دون توقف، ومن غير أن يُسكَّت من لديه رأي يودُّ أن يقوله أو أن يعبِّر عنه. فالأصحاء وحدهم مَنْ يؤمنون بحق الأشخاص في أن يعبِّروا بكامل حريتهم، ومن غير أن يُملي أحدٌ رأياً أو وجهة نظر ملزمة عليهم.. 2- د. فاطمة القرني أستاذ مساعد في كلية التربية للبنات في الرياض ورد في الهدف الخامس لإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني: توسيع المشاركة لأفراد المجتمع وفئاته في الحوار الوطني وتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني، بما يحقق العدل والمساواة وحرية التعبير في إطار الشريعة الإسلامية. تذكرت ذلك وأنا أقف بالمحور الخامس من محاور الندوة، وهو: الاتصال الشخصي والجمعي والحوار الوطني، فتحقيق الاتصال الفاعل بين المركز بموازاة وسائل الإعلام المختلفة، وبين فئات المجتمع المتعددة فردياً وجمعياً لا يمكن تصوره في التشكل الأمثل في ظل غياب مؤسسات مجتمع مدني شاملة لمختلف قطاعات الدولة وممثلة للمنتمين إلى مختلف مناطقها مدناً وقرى وهجراً. إن تمكين المواطن من قناة توصيل شفافة مخلصة لرأيه ولفكره لهي أولى وأهم وسائل احتوائه، ومن ثم حمايته والاحتماء به في مواجهة"الآخر"المعادي، ولعلي أركز هنا على ضرورة وجود النقابات الطلابية، ونقابات المهن المختلفة... إلخ. 3 - د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كيف نستطيع جعل الخطب والمحاضرات الدينية قناة للمشاركة في الحوار الوطني، والإسهام في الارتقاء به من خلال منطق اعتدال واتزان وحسبان للمصالح الشرعية؟ لتحقيق ذلك، أتصور أنه ينبغي اتخاذ جملة أمور من أهمها: أن يقوم تعاون جدي بين وزارة الشؤون الإسلامية وهي المعنية بالحوار الجامع ومراكز الدعوة، وبين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، إقامة دورات صغيرة أو ندوات يحضرها الدعاة والخطباء تعالج منهجية التناول الدعوي لقضايا الحوار الوطني، وتدرب على ذلك. كسر الحاجز بين الدعاة خطباء ومحاضرين، وبين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليتعرفوا على أهدافه وطبيعته ومجالات عمله. تزويد وزارة الشؤون الإسلامية بنتائج وتوصيات ولقاءات الحوار الوطني لتوزيعها، وطلب تناولها كما تفعل الوزارة في مسائل ترشيد المياه وأسبوع المرور ونحوها. ويمكن لتفعيل النقطة السابقة أكثر أن تقوم لجنة في الوزارة بصياغة توصيات اللقاء على شكل عناصر خطبة أو أكثر مع تأصيلها شرعياً. 4 - الشيخ حسن بن موسى الصفار داعية إسلامي في أجواء التشنج والخصام، وحينما تتضخم مسائل الخلاف، يصنف الناس بعضهم بعضاً تصنيفاً حاداً، ويصدرون على بعضهم البعض أحكاماً غيابية قاسية. وحينما يصنف الإنسان الآخرين عدائياً، ويحكم عليهم بالإدانة سلفاً، فإنه لا يندفع إلى الانفتاح عليهم والحوار معهم. ولكن حتى إذا غضضنا النظر عن خطأ التصنيف والحكم المسبق، فإنه لا يصح أن نتجاهل أن تطوراً واضحاً في مستوى الوعي، والثقة بالذات، والاستقلالية في الرأي، حصل في ساحة المجتمع، نتيجة للتطورات العلمية والاجتماعية، وهذا يعني أن الأيديولوجيات والمذاهب والمدارس الفكرية، لم تعد تحكم سيطرتها في جميع الآراء والمواقف على المنتمين إليها، لذا لا يصح أن تحاكم شخصاً أو تدينه من خلال ما تكونه من انطباع عن الجهة التي ينتمي إليها، فالأحكام التعميمية لم تعد دقيقة ولا صائبة. آمل أن يضع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني من بين مهامه تشجيع حال التواصل الشخصي والجمعي عبر مختلف البرامج بين ذوي الرأي في أرجاء الوطن على اختلاف توجهاتهم. 5- معجب بن سعيد الزهراني كاتب وأكاديمي، جامعة الملك سعود الحريات الشخصية للفرد في القرية والبادية والمدينة القديمة كانت أوسع وأغنى منها اليوم في مدن كبرى يعد سكانها بالملايين، لأن هناك من يسعى ليل نهار إلى تنميط أشكال الناس وأفكارهم وأقوالهم وأفعالهم. والخطاب الذي لا يمل من تكرار مديح الذات وهجاء الآخرين والعالم مريح وخادع في الوقت نفسه. وإذا كانت بعض الأوساط الاجتماعية تقدم فضائل الكَبْت والانغلاق على مساوئ الحرية والانفتاح، فيجب ألا تتاح لها كل الوسائل المادية والمعنوية للهيمنة على الأوساط الأخرى. كُتب عائض القرني وسلمان العودة وسفر الحوالي ليست أهم من كتب غازي القصيبي وتركي الحمد وحسن المالكي. ثقافة البادية والريف الزراعي ليست أرقى وأنقى من ثقافة المدينة الحضرية. ما سمّاه القصيبي"ثقافة الثقافة"يمكن أن تدشن وتنشر وتطور في مجتمعنا بمجرد الوعي بأهميتها، واتخاذ القرار بتبنيها وتنميتها. أما الثقافة التي تخاف وتنشر الخوف من كل ما عداها فلن تنتج سوى المزيد من المخاوف التي تعطل الفكر، وتشل الإبداع وتشوه العلاقات بين البشر. 6- د. فايز بن عبدالله الشهري هيئة التدريس في كلية الملك فهد الأمنية انطلاقاً من الأهداف المكتوبة لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يمكن طرح بعض التوصيات المتعلقة بتوظيف شبكة الانترنت في مجال دعم ثقافة الحوار الوطني، والتي بالطبع ستحتاج إلى آليات مرنة للتنفيذ، ومن هذه التوصيات ما يمكن تفعيله في المجالات الآتية: أولاً: تكريس الوحدة الوطنية وصياغة الخطاب الإسلامي الوسطي. تبني مواقع فكرية تعيد تصحيح بعض المفاهيم الاجتماعية حول مفهوم الوطن والمواطن وفق رؤية شرعية واعية. تشجيع المؤسسات الدينية لتطوير وتحديث مواقع تهتم بالخطاب الإسلامي المبني على الوسطية. دعم المواقع ذات التوجهات الوطنية وتشجيعها على تنظيم ملفات حوارية بين شرائح المجتمع. بناء مفاهيم التقارب بين المذاهب الإسلامية من طريق مشاريع الكترونية مشتركة بين رموز الطوائف الإسلامية. توظيف شبكة الانترنت للتواصل مع الشرائح البعيدة عن الفعاليات الحوارية المؤسسية النساء والشباب ثانياً: معالجة القضايا الوطنية من خلال قنوات الحوار الفكري وآلياته. إنشاء منتديات حوارية الكترونية عامة ووضع القضايا للنقاش العام بشكل شفاف وموضوعي. إنشاء مشروع باسم"اعرف وطنك"للتنويه بالمواقع الوطنية ووضع شعار الكتروني ينتظمها ويروج لها. تفعيل خدمة الاستفتاءات الالكترونية حيال بعض القضايا وإشراك شرائح المجتمع في رسم السياسات العامة. ثالثاً: ترسيخ مفهوم الحوار وتوسيع مشاركة أفراد المجتمع وفئاته - التنسيق مع إدارات التعليم في المناطق وعمل مسابقات بين الطلاب في مجال الحوار عبر الانترنت. - وضع جائزة سنوية لأفضل قضية حوار طرحت، وأفضل منتدى، وأفضل المحاورين ترعاها مؤسسات مستقلة. - تضمين الكتب المدرسية بعض العناوين لمواقع الانترنت ذات العمق الفكري، ما له صلة بالمناهج. - طبع كتيبات عن آداب الحوار عبر الانترنت وتعظيم مسؤولية الكلمة وأمانة النصيحة.