ضحكت حنان محمد غروي 11 عاماً للمرة الأولى أول من أمس بعدما غابت عنها الضحكة منذ شهور. فالابتسامة عادت إليها لأنها عادت الى المدرسة بعد أشهر من الحرمان، على رغم أنها بدأت الدراسة قبل شهور. وضحكت أيضاً لأنها قدمت نتيجة جيدة في"الاختبار النصفي". وضحكت لأن كاميرا التصوير أومضت بنور قوي انعكس على وجهها الذابل. لم تضحك حنان في الشهور الماضية إلا قليلاً، ولم تستطع السير وحدها، كانت مثقلة بآلام تركت آثارها على جسدها الطري، الذي امتلأ بثقوب عمليات سابقة. والسبب إصابتها بأمراض متعددة، يصفها التقرير الطبي ب"الخطرة"، ومنها صداع وضغط دم عالٍ وانخفاض في الكالسيوم، وارتفاع نسبة الفسفور في الدم، واضطراب معوي، وفشل كلوي مزمن يجعلها تخضع لمبضع الجراح ثلاثة أيام من كل أسبوع. نجت حنان من الموت حين كان عمرها ثلاثة أعوام، ولكنها فقدت أختها حصة ذات العامين، إذ أدخلتا المستشفى في يوم واحد، وللسبب ذاته، ولكن أختها فارقت الحياة بعد ذلك، فيما حنان تصارع المرض، أملاً في الشفاء منه. وتنام حنان في صالة المنزل المتواضع، المكون من غرفتين وصالة تجتمع فيه ثمانية من أخواتها مع والديهما، وليس لها مكان في الغرفة المكتظة، ولكنها فرحة لأن قناة الأطفال في التلفزيون المقابل لسريرها تعرض رسوماً مضحكة. ويقول والد حنان محمد عثمان غروي:"إن أول يوم أدخلت فيه المستشفى مع أختها كان عام 1417ه، والسبب حرارة واحمرار في جسد الفتاتين، تبين أن سببها بكتيريا ضارة، وحجزتا في العناية المركزة، وبعد التحليل تبين إصابتهما بفشل كلوي". ولم تتجاوز تلك الأزمة، وعادت بشدة قبل ثلاث سنوات، وأجلسها المرض عن الحركة واللعب مع قريناتها، وإذا حان وقت حملها فلنتوجه بها إلى المستشفى لعمل غسيل كلوي، ودامت هذه الحال خلال الأشهر الأربعة الماضية في شكل صعب. إذ لا تستطيع الوقوف أو المشي. ويذكر غروي أنها"بمجرد تحسنها قليلاً وتمكنها من المشي، أصرت على الذهاب إلى المدرسة". ويضيف"لم نمانع، بل فرحنا حين رأيناها تمشي وتضحك". ولا ينسى أنها قضت العيد في المنزل، على رغم الألم الذي تعانيه. ويقول:"كانت ترغب في المجيء إلى المنزل، ولكن حالتها صعبة، والمفروض أن تبقى في المستشفى، إلا أننا لم نستطع حرمانها من قضاء العيد بين أخواتها". ولا يخفي الأب حزنه على فقده حصة، ويوجه إلى حنان نظرة مليئة بالأمل والدعاء بأن تتجاوز هذه المحنة. ويقول:"إن الأمر يتوقف على إجراء عملية زرع كلية، وعرضتُ على المستشفى أخذ كلية مني، ولكنهم رفضوا، لأني مصاب بضغط الدم، واقترح علينا الأطباء في المستشفى أن تتبرع إحدى أخواتها، لأنهن قريبات منها ومناسبات، ولكن ذلك أيضاً لم يتم، إذ لا بد أن يكون المتبرع قد تجاوز 18عاماً، وبناتي ما زلن صغيرات". ويعتب غروي على المستشفى"لم يعاملونا في صورة جيدة، وكادوا في إحدى المرات يتسببوا بوفاة حنان، بسبب إيصالها بأنبوب غير معقم لعمل الغسيل، وحين تجادلنا معهم قاموا بتحويلنا إلى مستشفى آخر، وتم التحويل بعد خروج حنان من غرفة العمليات، وحين وصلنا إلى القطيف لم يكن العاملون في المستشفى يعلمون بقدومنا، ورفضوا في البداية استقبالنا، وأبقونا في الطوارئ حتى وقت متأخر". وتتلقى حنان علاجها الآن في المستشفى ويكابد أبوها للوصول إلى المستشفى، لأنه لا يملك سيارة، وهو بين خيارين مرين"إما أن ألجأ إلى الأصدقاء، وهذا صعب، وبخاصة وجوب الذهاب إلى المستشفى ثلاثة أيام في الأسبوع، والخيار الثاني اللجوء إلى سيارات الأجرة، وهي مكلفة، خصوصاً مع الحالة المادية البائسة التي أعيشها". ويذكر غروي أن"الأخصائي المتابع لحالة حنان قال:"إن العلميات السابقة لإجراء غسيل الكلى لم يكن لها داعٍ، وكان الأفضل عدم اللجوء إليها، ويكتفي بإجراء الغسيل من طريق الدم فقط"، مشيراً إلى أن"الطبيب قام بزرع جهاز يحفز الكلية على النمو والعمل، ولكن النتيجة سلبية، ويجب أن يظهر التحسن في الأسبوعين الأولين، ومضى الآن ثلاثة من دون أي تحسن". ولا تتوقف مأساة حنان على زيارة المستشفى، لعمل غسيل كلوي، بل تمتد إلى معاناتها في الحصول على دواء لمرض الضغط. ويذكر والدها أن"الدواء لا يوجد في الصيدليات السعودية منذ عامين، كما أخبرنا أحد الصيادلة، ولذلك نعتمد على صيدلية المستشفى، التي تزيد من المعاناة ولا تحلها". ويوضح أن"الصيدلية ترفض إعطاءنا الدواء في يسر، وإذا أعطتنا فإنها لا تتجاوز الحبة الواحدة فقط، تأخذ نصفها في اليوم الأول ونصفاً في اليوم الثاني". ويضيف"آخر مرة انتظرت أكثر من أربع ساعات للحصول على الحبة، كأنني متسول، وكانت ليلة ماطرة ورجعت إلى المنزل خائفاً من أن تتلف تلك الحبة قبل أن أصل". ويستغرب هذا الإجراء من الصيدلية، على رغم أنه يحمل وصفة من مستشفى القطيف المركزي، ويتساءل:"لماذا يعطونا حبة واحدة فقط، في حين أننا لا نعلم متى تصاب حنان بارتفاع الضغط، أو متى يخف عنها؟"، مؤكداً أنه"لم يحصل على أكثر من حبة، إلا في حالات نادرة، وبصعوبة قاسية". وأبدت إمارة المنطقة الشرقية اهتماماً بالموضوع في وقت سابق، ويذكر أن وكيل الإمارة سعد العثمان وجه خطاباً، طالب فيه بسرعة إيجاد علاج لحنان، وأحال مستشفى القطيف ملفها إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، الذي رد بعدم إمكان علاجها في الوقت الحاضر. وذكر الأخصائي المتابع لحالة حنان في المستشفى أنها تحتاج إلى عملية زراعة كلى وفي أسرع وقت. ويقول غروي:"إن الأخصائي أخبرنا بإمكان علاجها في الهند، ولكن العملية تكلف نحو 50 ألف ريال، ونحن لا نجد ما نعيش منه، فكيف نتحمل هذا المبلغ، وليس أمامنا إلا رحمة الله".