لا يسع زوار بغداد الوصول إلى المدرسة المستنصرية بسهولة، بسبب موقعها في ذلك الزقاق الضيق عند أول «شارع النهر» من جانب جسر الشهداء وسط بغداد، فضلاً عن عدم وجود لوحة للدلالة على المكان، ما يدفع الزوار إلى سؤال المارة مراراً قبل العثور على المكان. وعند مدخل المدرسة الذي ينخفض عن الشارع المجاور لها أكثر من نصف متر، يقف الحارس المسنّ متسائلاً عن سبب الزيارة، كأنها غير مألوفة هذه الأيام. يفتش الحارس الداخلين طالباً منهم الانتظار بضع دقائق، قد تطول، ثم يعود معتذراً عن عدم السماح لهم بالدخول متذرعاً بأعمال الترميم. تكشف الزخارف الخارجية للبناء انتماءه إلى العصر العباسي، وهي نفسها الزخارف المميزة التي تطبع بغداد وعمارتها المتبقية من العهد العباسي المشرق. فالطابع الهندسي هو الطاغي عليها، وهي ذات أشكال متنوعة يعتمد معظمها على الدائرة وأقطارها، ونُسّقت تلك النقوش الهندسية الطابع بطريقة تساعد في ظهورها منبسطة ومرتاحة على امتداد المساحات والأسطح التي تحتضنها. أما الزخارف «النباتية الشكل»، فنجدها في الغالب داخل مساحات هندسية أشبه بالنجوم والمضلعات، وأحياناً تظهر كخلفية أو أرضية للكتابات وبين حروفها. يقول صاحب أحد محال «الأنتيكا» المقابلة للمدرسة، علي السعدون، إن المبنى يعاني إهمالاً كبيراً منذ سنوات، وإن هناك حارساً واحداً يقف عند بابه بضع ساعات في الصباح، ثم يغادر، كما أن بعض موظفي هيئة السياحة يتفقدونها بين الحين والآخر. وطبقاً لما يرد في كتب التاريخ، فإن «ساعة عجيبة» كانت مقامة عند مدخل المدرسة المتصدع من الخارج الآن والمهمل، حتى إن النفايات تكوّمت قربه. وكانت الساعة هذه تنبئ الناس بأوقات الصلاة، وتعمل ليلاً ونهاراً. أنشئت المدرسة المستنصرية العام 1227 للميلاد، واستغرق بناؤها ست سنوات وفق المصادر التاريخية لبغداد القديمة. حملت اسم مؤسسها الخليفة العباسي المستنصر بالله، وهي من أقدم الجامعات العربية الإسلامية ومن الصروح العلمية المهمة التي درّست الفقه الإسلامي. لكن المدرسة تعرضت لإهمال شديد خلال الفترات المظلمة التي مرّت بها بغداد، وظهرت تصدعات كثيرة في المبنى خصوصاً في مرحلة الاحتلال العثماني للعراق، حتى تحولت في العام 1940 إلى «خان» كبير لاستراحة الوافدين إلى بغداد وسميت محلياً «مسافر خانة»، وهي كلمة تركية الأصل. أما اليوم، فتغطّ المستنصرية، كغيرها من الآثار العراقية، في سبات عميق وسط أكوام الزبالة التي تراكمت حولها وغطت أحد أهم معالم بغداد الحضارية. ولعل ما يبعث على شيء من التفاؤل هو تأكيد رئيس هيئة الآثار والتراث قيس حسن، أن هناك تحركات رسمية لصيانة الآثار العراقية المهملة في بغداد والمحافظات ومن ضمنها المدرسة المستنصرية... لكن متى؟ وكيف؟ وبإشراف من؟ تلك هي الأسئلة التي ما زالت في حاجة إلى إجابات رسمية.