هل يمكن ان يتخيل المرء ان يغمى عليه، لسبب ما، ثم يصحو، فيجد نفسه مكفناً في قبر؟ أليست مجرد الفكرة مرعبة لدرجة ان يسارع المرء إلى طردها من رأسه؟ أو ليس هذا ما كان سيحدث للصبي الذي لدغته عقرب اثناء لعبه مع اقرانه، في احدى قرى الطائف، فبدأت معاناته من السم بالصراخ والبكاء، حتى انقطع صوته وأغمي عليه، فنقله اهله الى المركز الصحي القريب منه، حيث باشر الطبيب علاجه فوراً، محاولاً إنقاذ حياته بطرق عدة، الا انه لم ينجح، فأبلغ ذوي الطفل بأنه توفي. هنا بدأت التطورات الدرامية الأبعد للصبي، الذي أورد خبره هذا لمراسل"الحياة"التي نشرته في 10-9-2005، إذ خيم الحزن على اهل الطفل، الذين غسلوه وكفنوه وادوا صلاة الميت عليه، ولكن، وأثناء نقله الى المقبرة اذا به يصرخ وسط ذهول الجميع الذين بادروا بالتهليل والتكبير.هنا انتهى الخبر من دون متابعة ولا إيضاحات ولا بيان مسؤولية من عدمها، ونحن نسأل: ماذا لو تأخر فواق الصبي نصف ساعة فقط، أفلا يكون قد تم دفنه حياً، ليفيق فيجد نفسه مضغوطاً بشدة، مكتوم النفس، في ظلمة حالكة وسكون مطلق، مغلفاً في قماش، يملأ خياشيمه وأذنيه الكافور الخانق، يمنعه اللحد الضاغط من تحريك أي جزء من جسمه، فيتعالى صراخه، في رعب وجنون، وعدم تصديق، والفزع ينهش عقله ووعيه، والله، سبحانه وحده، يعلم مدى هول هذا العذاب الذي لا يخطر على خيال بشر، والى أي مدى يطول، فمن يستطيع ان يحضر ويصف لنا تلك اللحظات لحي أدخل في عالم ثالث مغلق؟ فنحن نعرف عالم الموت وعالم الحياة، ولكن العالم الذي بينهما هو برزخ العذاب الجسدي والروحي، الناتج من الشد والتنازع بينهما، وهل يمكن لعقل أن يجرؤ على ان يتصور طبيعته وهوله وحدوده؟ والآن من المسؤول؟ أهو الطبيب الذي قرر وفاة الصبي، لقصور في التشخيص؟ ام هو المركز الصحي، الذي لم يتخذ اجراءات اخرى، للتأكد من حال الصبي المغمى عليه، ام هي وزارة الصحة التي لم تحدد الاجراءات والمعايير الكافية والصارمة لاتخاذ القرار في حالة الاشتباه بحدوث الوفاة، ام هي الجهات الامنية التي لم تضع الضوابط الكافية لاجراءات وزارة الصحة؟ ام هم الاهل الذين تعجلوا بإجراءات الدفن، ام هو العرف السائد الذي يدفع الناس الى هذا التعجيل؟ كيف صدرت شهادة بدفن الطفل وهو لا يزال على قيد الحياة؟ ألا يعتبر ذلك قتلاً من طريق الخطأ؟ ومن يعيد حق الطفل وحق اهله؟ يحدث ويتكرر الموت المشتبه او الظاهري في بلادنا وغيرها، وتتكرر انباء فواق من اعتبروا موتى، ويسطع خبرهم إذا اكتشف، ولكن، ماذا عن مصير الحالات التي آلت أو تؤول إلى القبر، من دون أية فرصة للنجاة. وقد حكى لي صديق موثوق عن علم الناس بحدوث مثل هذه الحالات في الماضي، بدليل عثور حفاري القبور على رمم مثنية الركبتين. خلا حفرهم القبور، في دلالة واضحة على صحو أصحابها بعد دفنهم. والآن، لنسأل: ما الذي يضمن عدم تقرير الوفاة الخاطئ في المستقبل، لحالات تحدث لأسباب متعددة؟ وهل يمكن أن يعتبر التقرير صحيحاً إذا اشترك في تشخيص الحالة أكثر من طبيب، خصوصاً إذا كانا استشاريي قلب ودماغ، مخصصين قانونياً للقرار. ولكن، ماذا عن المناطق التي لا تتوافر فيها مثل هذه الإمكانات؟ أو لا تجب مخالفة العرف السائد في التعجيل في دفن من قيل انه ميت؟ واتباع الطرق الطبية الصحيحة؟ إن مما يدفع الناس إلى التعجيل بالدفن حرصهم على اللحاق بصلاة الفرض التالية، ليصلى على ميتهم إثرها، فقد لا يجاوز الوقت بين"الوفاة والصلاة التالية ثلاث أو أربع ساعات! نناشد المسؤولين المبادرة بوضع التدابير والضوابط التي تضمن عدم دفن إنسان حي.