بالتأكيد، إنه حان وقت تصحيح حقيقي للوضع الاقتصادي في بلادنا، ليس لأن هذا هو الوقت المناسب، ولكن لأنه لم يعد هناك وقت للتأخير، فقد ضيعنا كثيراً من الوقت وكثيراً من فرص التقويم. المطالبة بالتصحيح ليس لأننا الاسوأ، ولا يجب أن نكون مع مجموعة الاسوأ، بما حبانا الله به من خيرات ومميزات، ولكن هناك كثيراً ممن كان خلفنا حث الخطى وقفز أمامنا، وكل ساعة تمر، يحل قافز جديد وتزداد المسافة اتساعاً، وإذا لم نبادر ونتمسك بتلابيب الزمن، الذي تقلص كلما تقلصت المسافات وانهارت الحواجز والعقبات، لأن الزمن يتفلت من يد المهمل والغافل، والذي لا يلتفت إلى الخلف ولا يتوقف للمترددين، الذين يستغرقون الوقت الطويل لإصدار القرارات، فإننا سندخل في دوامة الأسوأ، أو الحالة التي يصعب الشفاء منها. التصحيح يجب أن يبدأ باجتثاث السبب الأكبر للبطالة والفقر، والكم الهائل من القضايا المعروضة في المحاكم، لأنها خلقت المشاحنات والأحقاد والضغائن بين أفراد المجتمع، وعلينا أن ننظر الى هذه الأعداد الهائلة من الوافدين، وهذا النهب المنظم لمدخرات المواطنين، وهذا الفزع المصاب به شبابنا، الحالم بحياة كريمة مستقرة. إنها تجارة الأراضي، التي لا تحرمنا مدخراتنا وتمنعها من فرص التقدم فحسب، بل تشدنا بقوة إلى الخلف. تجارة الأراضي حرمت الاقتصاد من سيولة عالية، كان من الممكن أن تتجه إلى قطاعات توفر فرص العمل للآلاف من شبابنا العاطلين، والقادمين للانضمام إلى نادي العاطلين، وإلى مشاركة هذه السيولة في بناء اقتصاد لا يمكن أن يتخلص في يوم من الأيام من رعب الاعتماد على مداخيل تصدير النفط الخام. تجارة الأراضي رسخت فكرة الكسب الكسول، إذا صح التعبير، وثبتت فكرة أن الوصول إلى المراكز المتقدمة والثراء، أو الحالة المتوسطة، أو الاكتفاء على الأقل ليس بالعلم والمثابرة والجهد والعرق والفطنة والذكاء، بل بالحظ والفهلوة، فالدخول في عالم العقار، إذا تحقق رأس المال، لا يحتاج للكثير من الموهبة، ولذا فإن أسهل ما يمكن عمله من نشاط في أسواقنا هو فتح مكاتب عقار، فلا يتعدى المجهود الذهاب إلى المحكمة لتوثيق البيع والشراء. حتى إن الحاصلين على شهادات من طبقة العقاريين لا تتعدى شهاداتهم المجال النظري، والتي لا قيمة لها، وليس لها علاقة بعالم التجارة والصناعة والإدارة، وهم يعملون بما تراكم لديهم من خبرة في دهاليز بيع وشراء الأراضي وشهاداتهم للزينة والتجميل فقط. الحل سهل وبسيط ومتواضع، ولا يزيد على أن تتملك الدولة الأراضي، وهو حق طبيعي ومطلوب وعادل وواجب ومتعارف عليه، ثم تضطلع بتطويرها، وذلك بإنشاء بنيتها التحتية تمهيداً لتسليمها إلى شركات رائدة في البناء، لتنتهي في يد المحتاجين الحقيقيين للسكن بأقساط ميسرة، أو تباع الأراضي بعد التطوير للمحتاجين، على أن يلزم المشتري بالبناء حسب مواصفات معينة وفي وقت محدد ولا يسمح له بالبيع، وإذا مرت فترة معينة ولم تبن الأرض، فإنه يحق للجهة المسؤولة استعادة الأرض وتسليمها إلى من يحتاجها كما هو معمول به في الأراضي الزراعية. إن اطلاق رصاصة الرحمة على تجارة العقار هو المقدمة الأولى والمهمة لإصلاح الوضع المعوج في اقتصادنا. فأبناؤنا على استعداد للعمل في قطاع التشييد والبناء نتيجة لما سلف، متى ما توافرت شركات عملاقة قادرة على تقديم رواتب معقولة، وضمانات لمستقبل مشرق وبيئة عمل محترمة، أما العمل في مؤسسات المقاولات المنتشرة في بلادنا، مع ملاك لا يملك معظمهم أي فكرة في عالم البناء وكل إمكاناتهم ورأس مالهم سجل تجاري، وترخيص ومجموعة من العمال الأجانب، الذين يقومون بكل شيء نيابة عنهم، حتى كتابة العقود، فهو ظلم كبير لأبنائنا، بل إنه يستحيل العمل في مثل هذه المؤسسات التي نتجت في الأساس عن أسلوب الحصول على الأراضي والاستفادة منها.