بعد انتهاء هجوم نيروبي الذي قضى فيه عشرات من المدنيين على أيدي مسلحي"حركة الشباب الصومالية"داخل مجمّع"ويست غيت"التجاري، حان وقت الحساب بالنسبة إلى القادة العسكريين الكينيين الذين فشلوا في إحباط العملية الإرهابية في ساعاتها الأولى، وسمحوا للحركة بتنفيذ عمليتها الخارجية الأكبر، وأن تصبح في صدارة"الجهاد العالمي". للوهلة الأولى، تتحمل مسؤولية الإخفاق الأكبر، وفق مصادر أمنية كينية وعالمية، وحدتان خاصتان في الجيش الكيني، ومن خلفهما القوات الأميركية والبريطانية التي تتولى تدريبهما، إذ إن تدخلهما غير المنضبط والمنسّق منع وحدة خاصة في الشرطة يدرّبها إسرائيليون من حسم الموقف سريعاً. وأمس، كشفت مصادر أمنية أن إسرائيل وبلداناً أخرى حذّرت الحكومة الكينية من خطر ضرب مصالحها الإقتصادية قبل هجوم نيروبي، لكنها لم تتعامل معه، واكتفت أجهزتها بإحالة التقرير من مكتب على آخر. وتشير تقارير إلى أن وحدة الشرطة سيطرت على مساحة 70 في المئة من المجمّع خلال ساعة واحدة من بدء الهجوم، وأنقذت معظم الناجين. لكن قوات الجيش عرقلت العملية بعدما أصابت قائد وحدة الشرطة بجروح خطرة، إثر خلاف نشب على قيادة العملية، ومنحت الإرهابيين وقتاً إضافياً لاستخدام مزيد من الأسلحة وقتل رهائن إضافيين، قبل أن تساهم القوات نفسها برفع عدد الضحايا عبر تدمير جزء من المجمّع. وهنا فشلت إحدى مهمات القوات الأميركية في أفريقيا أفريكوم، المتمثلة في تدريب القوات المحلية على مكافحة إرهاب الجماعات المرتبطة بتنظيم"القاعدة"، مثل"حركة الشباب"و"بوكو حرام"النيجيرية، و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"الناشطة في مالي وبلدان افريقية أخرى. وثمة معلومات بأن الجيش الأميركي أنفق أكثر من بليوني دولار على برامج تجهيز قدرات قوات الحلفاء في القارة وتعزيزها، في إطار مشروع عسكري ضخم يعتبر أفريقيا"ساحة قتال المستقبل، اليوم". وفيما لا يعترف البنتاغون رسمياً الا بوجود قاعدة أميركية عسكرية واحدة في أفريقيا، هي"كامب لومونييه"في جيبوتي، تشمل عمليات قواته نحو 90 في المئة من 54 دولة أفريقية، وتتراوح بين تجهيز وحدات وبناء منشآت للحلفاء ونقاط تجمّع لآليات عسكرية ومقاتلات وطائرات بلا طيار ومعدات تجسس وسواها. وبالنسبة إلى كينيا، تتمركز قوات أميركية منذ العام 2004 في قاعدة"كامب سيمبا"في ميناء ماندا. ويقول رئيس المكتب الإعلامي ل"أفريكوم"بنجامين بنسون إن"القاعدة تضم حوالى 60 عسكرياً يدعمون مهمات القوات الكينية أحياناً، إضافة إلى مدنيين يهتمون بنشاطات إنسانية". لكن تقريراً لنشاطات"أفريكوم"صدر هذه السنة، لمح إلى أن"كامب سيمبا"أكثر من قاعدة معزولة، إذ أستكملت فيها 9 عمليات لتطوير بنى تحتية من طاقة ومياه وتوسيع المدارج والطرق المحيطة، وزيادة طاقة الاستيعاب البشرية. وكشف صحافي أميركي زار القاعدة في آذار مارس الماضي أن مهندسي سلاح البحرية عملوا على مدار الساعة شهوراً لإنجاز الأعمال قبل حلول الشتاء، والتي ستسمح أيضاً بهبوط طائرة"سي 135"القادرة على تزويد طائرات بوقود في الجو، ونقل إمدادات لقوات أميركية وأفريقية. كذلك، كشف بنسون استخدام"أفريكوم"6 مبانٍ في قواعد عسكرية كينية داخل مطار مومباسي ومينائها، فيما تتحدّث معلومات رسمية عن إبرام الولاياتالمتحدة إتفاقاً مع كينيا لاستخدام قواتها مطار جومو كينياتا في نيروبي. وطوّرت قيادة"أفريكوم"أيضاً نظاماً لوجستياً للتواصل بين موانئ ماندا وغاريسا ومومباسا في كينيا وموانئ في أوغندا وأثيوبيا لضمان تسهيلات لأسطول البحرية الأميركية المتمركز في جيبوتي. ويحتوي ميناء مومباسا مخازن لإمدادات نفط البحرية الأميركية، فيما تعمل وحدات طبية تابعة للبحرية إنطلاقاً من منشآت في كيسومو وكيريشو. وانضمت كينيا الى 33 دولة أفريقية نفذ فيها الجيش الأميركي مشاريع بناء عسكرية بكلفة 48 مليون دولار بين عامي 2011 و2013، كما تلقت أموالاً أميركية لتدريب قواتها على عمليات طوارئ. وفي كانون الثاني يناير الماضي الذي شهد إطلاق الحملة الفرنسية العسكرية في مالي، أخضع الأميركيون ضباطاً كينيين لدورة تدريبية من أجل تحسين قدراتهم الإستخباراتية. ولا شك في أن النشاط العسكري الواسع للجيش الأميركي في أفريقيا، الذي تحرص واشنطن على إبقاء أثره محدوداً، ومحصوراً علناً في جيبوتي بسبب حساسية ربطه بالإستعمار السابق لدولها، دفع الكولونيل جون ديدريك، قائد الوحدة الخاصة العاشرة في الجيش الأميركي، إلى القول مطلع السنة الحالية أن قوات بلاده"تشارك بالكامل طوال أيام السنة مسؤوليات الأمن في أفريقيا، وتساعد في خلق أجواء مواتية لنمو دولها، وإنتهاز فرص تطويرها". لكن هجوم نيروبي كشف حقيقة الثغرات في حدود كينيا غير المضبوطة مع الصومال، في وقت تنشر منذ العام 2011 قوات لمحاربة"حركة الشباب"في هذا البلد، ومشاكل ضمها مراكز كثيرة للاجئين الصوماليين المخترقين من الإسلاميين، إضافة إلى كون كينيا مركز التمويل الأساسي للجماعات المتطرفة في منطقة القرن الأفريقي، باعتبارها الأكثر تمدّناً ومرونة على صعيد حركة الأموال.