جسر الفنون في باريس المشهور بإقفال المحبين والأزواج، ومثيله جسر هوهنزولم في ألمانيا أو فيشيو في فلورنسا الإيطالية، وجسور وأماكن أخرى عبر العالم، تشهد على عهود قطعت بين حبيبين أو زوجين على الحب والوفاء مدى الحياة. شباب جزائريون اقتبسوا الفكرة، لكن ليس لإعلان حبهم لشركائهم عبر أقفال تعلق على جدار جسر فحسب، بل كرسالة لحب الحياة وقلب صفحات المآسي والآلام التي عاشها الجزائريون فوقع اختيارهم على جسر في أعالي العاصمة اشتهر بجسر المنتحرين! هكذا قرر الشباب تحويل الجسر من مكان حزين وقبلة للذين سئموا العيش ويريدون وضع حد لحياتهم، إلى قبلة مشبعة بالأمل تعج بالمحبين والمتفائلين بالحياة، يتعاهدون فيه على الحب والوفاء. فكرة تحويل جسر الانتحار إلى جسر الحب والحياة، كان وراءها ثلاثة صحافيين شباب اتفقوا على تغيير صورة التشاؤم وفقدان الأمل التي أصبح يحملها هذا الجسر في أعين أبناء العاصمة، إلى مكان يشع حباً وحياة في وقت أصبحت صور الموت والحقد والتطرف تملا أرجاء كثيرة من العالم العربي وتنعكس على الوضع الداخلي الجزائري. المبادرة التي كانت وليدة نقاش الشباب الثلاثة حول الحياة ومعاني الحب والتعبير وعن المشاعر ومكانتها في حياة الشعب الجزائري عامة وبين الشباب بشكل خاص، تطورت لتصبح مشروعاً ينبض حيوية واختير لها جسر تليملي المعروف ب"جسر الانتحار"مكاناً لإطلاقها. التف شباب حول الفكرة وأسسوا لها صفحة على"فايسبوك"أطلق عليها اسم"اقفال الحب الجزائر"، وعرفت انتشاراً كبيراً وسط الجزائريين، وخصوصاً متصفحي"فايسبوك". وحضر الكثير من المؤيدين للحملة إلى جسر"الحب"يوم تدشين"زيه وصورته الجديدين"كما يقول ايدير تزروت وهو احد الذين أطلقوا الفكرة وسعوا إلى تنفيذها. ويضيف:"نريد أن نغير صورة هذا الجسر الذي طالما اقترن بالانتحار، إلى جسر للحب والأمل. الهدف من هذه المبادرة هو تغيير الأشياء وإعطاء قليل من الأمل لشباب يتعرضون للإقصاء والتهميش ولا يفكرون إلا في مغادرة البلاد عبر كل الوسائل حتى الانتحار". رمزية المبادرة لخصها صديقه مهدي مهني بالقول:"رأينا ما فعل الحقد والكره بالجزائريين خلال سنوات التسعينات، والآن سنرى ما الذي سيفعل الحب بهذا الوطن الغالي في السنوات القادمة". وعبر أصحاب الفكرة عن مدى فرحتهم بالتجاوب الكبير والإيجابي، خصوصاً من المعنيين المباشرين، أي الشباب الذين توافدوا إلى الجسر للاحتفال. ومنهم من حضر بمفرده أو مع أصدقاء ومنهم من قدم من ولايات اخرى للتعبير عن الحب والأمل"عبر تعليق قفل كتب عليه اسم الحبيب أو الزوج مع عبارة خاصة أو تاريخ محدد، فيتم تعليق القفل ورمي المفتاح من على جسر بمعنى إن هذا الحب لن يتبدد إلى الأبد". ولم يتفاعل مع الفكرة فقط الشباب والمواطنون العاديون، بل إن عمدة بلدية الجزائر الوسطى تعهد وفق أصحاب المبادرة إعادة طلاء الجسر والحضور لتعليق قفل هو وزوجته. ولم تكن أقفال الحب في الجزائر أول فكرة لمحو الصورة الحزينة التي التصقت بالجسر، بل سبقتها مبادرة إلى تغيير اسم الجسر ليحمل اسم شاعرة جزائرية انتحرت عليه قبل سنوات تدعى صافية كتو، اذ تجمع صحافيون وشعراء وكتاب وأصدقاء الشاعرة خلال السنتين الماضيتين في ذكرى وفاتها من خلال إلقاء قصائدها وتوزيع الورد الأصفر والشرائط الحريرية والحلوى على المارة في جسر تليملي. تقول الإعلامية والكاتبة فايزة مصطفى إحدى الذين اطلقوا هذه المبادرة:"الذي كان يهمنا هو إحياء ذاكرة شاعرة منسية وبث الحياة في الشارع. كما طالبنا السلطات بتسمية الجسر باسمها". وعلقت على مبادرة" أقفال الحب الجزائر قائلة:" لقد كان هذا انتصاراً ثقافياً وإنسانياً تعجز كل الكلمات عن التعبير عنه، أن يتم تحويل جسر وسط مدينة غارقة في الجوع العاطفي والبؤس الاجتماعي، باردة المشاعر والحياة، إلى جسر للحب بتعليق أقفال يتعاهد فيها المحبون على الارتباط الإنساني ويعبرون عن الحب، هو سلوك حضاري سيوثق ذاكرة مدينة الجزائر إلى الأبد، فطالما كان الجزائريون كغيرهم يكتبون أسماءهم وأسماء حبيباتهم على الحيطان ويحفرونها على جذوع الشجر، كما فعل غيرهم قبلهم وسيفعل من يأتون لاحقاً الشيء نفسه". وان لقيت الفكرة استحسان البعض، إلا أنها لقيت أيضاً انتقاداً من آخرين رأوا فيها تقليداً للغرب وبدعة لا تمت بصلة إلى أخلاق المسلمين ودينهم وتقاليدهم. لكن أصحاب الفكرة يرون أن ما يقومون به هو نشر لقيم جميلة في المجتمع وإعلاء أصوات تنادي بالحب والحياة لمواجهة أصوات الحقد والكراهية التي كانت كارثية على المجتمع الجزائري.