نموذج جديد من الشراكة العامة والخاصة، هذا هو العنوان الذي اختاره وزير الخارجية الأميركي جون كيري لخطته الاقتصادية الهادفة إلى تهيئة الظروف أمام إعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلى إلى طاولة التفاوض"وفي شرحه للخطة قال كيري: إن الحديث يدور عن مبادرة لضم شركات كبرى تبحث عن الاستثمار في أماكن يمكنها إحداث التغيير، حيثما لا يقرر السطر الأخير في تقاريرها بالضرورة أن هذا هو الاستثمار الأفضل. يؤمن جون كيري أن المصلحة الأميركية الحيوية كما التطورات الإقليمية العاصفة في المنطقة، تقتضي حلّ الصراع الفلسطيني?الإسرائيلي، وهو يعتقد أيضاً أن هذا الأمر صعب لكن ليس مستحيلاً. من أجل ذلك زار وزير الخارجية الأميركي فلسطين أربع مرات في خلال ثلاثة أشهر تقريباً، واصطدم بهوّة واسعة من عدم الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، كما بالوضع الاقتصادي الكارثي في الضفة الغربية ووجود السلطة على حافة الانهيار المالي، وربما السياسي أيضاً، إن لم يتم تحرك جدي لتغيير هذا الوضع المحبط والبائس. ومن هنا فكّر كيري في خطة اقتصادية لتحسين الاقتصاد الفلسطيني تضرب عصفورين بحجر واحد، إنقاذ السلطة من الانهيار، وفي الوقت نفسه هدم حاجز عدم الثقة، أو على الأقل خلق أجواء مؤاتية أكثر من أجل إعادة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة التفاوض بعد ثلاث سنوات تقريباً من الجمود. خطة كيري ذات الاسم اللافت والبراق "نموذج جديد من الشراكة العامة والخاصة" طموحة جداً، وتتضمن إقامة مناطق صناعية كبرى في الضفة الغربية، كما مشاريع سياحية ضخمة، وحتى إنشاء مدن فلسطينية جديدة نالت موافقة مبدئية من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ولكن مع توجس فلسطيني من الخوض في خطة تتشابه تماماً مع فكرة نتانياهو عن السلام الاقتصادي وضرورة الانطلاق من تحسين الوضع الاقتصادي وردم الهوة الاقتصادية الشاسعة بين الجانبين قبل الشروع في التفاوض حول القضايا السياسية الحساسة والشائكة. غير أن المفاجئ كان في تحفظ نتانياهو نفسه، أو بالأحرى تحديث فكرته عن السلام الاقتصادي ورفضه تقديم أي تسهيلات جدية في غياب الإطار السياسي أو المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية. في ضوء ذلك وجد وزير الخارجية الأميركية كيري نفسه محشوراً بين شرط الأفق السياسي الفلسطيني، والإطار السياسي الإسرائيلي، وهو يعمل الآن على حل هذه المعضلة عبر خطوات عدة، منها إشراك الأردن الجدي في المفاوضات وإعطاؤه الدور الذي لعبته مصر مبارك في السابق، وحتى إدخال الجامعة العربية في المعادلة عبر تحديث ما للمبادرة العربية، وجعلها قادرة أو أساساً مقبولاً للتفاوض، وكل ذلك بغرض حث نتانياهو على تقديم بوادر حسن نية للقيادة الفلسطينية. يبدو وزير الخارجية الأميركي مفعماً بالنوايا الطيبة وإحساس الرسالة، كما قالت صحيفة هآرتس، إلا أنه يتصرف كسيناتور ماساتشوستس أكثر منه ديبلوماسياً مخضرماً لجهة اندفاعه وحماسه الزائد. غير أن الأهم من ذلك يتمثل في ما قاله عن نتانياهو وإشارته إلى أنهما جديان في القيام معاً بالواجبات التي كلفهما إياها الرئيس باراك أوباما أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة في آذار مارس الماضي. كلام جون كيري يحمل في طياته علامة على وجود تفاهم أميركي إسرائيلي واسع لا يتعلق بالملف الفلسطيني، وإنما بالنظرة العامة إلى المنطقة وتطوراتها العاصفة، كما تبدّى من الاعتذار الإسرائيلي لتركيا الذي تم بوساطة، وحتى بضغط أميركي، وهو يعني كذلك أن تسوية ما للملف الفلسطيني باتت مصلحة أميركية إسرائيلية مشتركة. ربما ينجح كيري في تنفيذ خطته الاقتصادية العملاقة، وإعطائها أفقاً أو إطاراً سياسياً ما عبر الاستعانة بالجهود الأردنية والعربية لجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مرة أخرى على طاولة التفاوض، إلا أن التحدي الأساسي يكمن في تجاوز السلام الاقتصادي إلى السلام السياسي، وقبل ذلك وبعده امتلاك الشجاعة للإقلاع عن النظر إلى المنطقة من العين الإسرائيلية الأمنية، واعتبار أمن إسرائيل الهدف الأسمى في النقاشات المتعلقة بعملية السلام، الأمر الذي قد ينتج اتفاقاً ما، ولكنه لا يؤسس حتماً لسلام عادل شامل ودائم لا في فلسطين ولا في المنطقة. * كاتب فلسطيني