يسجل لكوكبة من النساء العربيات إصرارهن على متابعة دراستهن في الجامعات الأجنبية، وسعيهن الى اكتساب معرفة بأحدث العلوم والخبرات والتقنيّات، واستخدامها ركيزة أساسية في بناء مسيرتهن العلمية. وتأتي هنادي سليمان 47 سنة- كندية من أصل لبناني في المقدمة من جيل نسائي عربي له سماته العلميّة المميّزة. أكملت سليمان دراستها الثانوية في"مدرسة الكرمل- سان جوزيف"في بيروت. وحصلت على بكالوريوس في الكيمياء من الجامعة الأميركية في بيروت. وفي العام 1985، تلقّت منحة تعليمية من جامعة ستانفورد فيولاية كاليفورنيا الأميركية التي نالت منها درجة الدكتوراه في الكيمياء العضويّة. وبعدها، عادت إلى لبنان في العام 1990. ومارست التدريس في الجامعة الأميركية لمدة ثلاث سنوات، لكنه أمر لم يكن على قدر طموحاتها الأكاديمية والبحثية، فتقدمت بطلب للدراسة في مرحلة ما بعد الدكتوراه في مختبر البروفسور جان ماري لين، وهو حائز جائزة نوبل في الكيمياء عام 1987، في فرنسا وعملت معه لعامين. وبعدها، التحقت سليمان بجامعة"ماكغيل"في مونتريالكندا. وحملت معها جعبة علمية واسعة تشمل المعلومات والأساليب والتقنيّات المتطوّرة. ومهدت لها هذه الجعبة لتحقيق إنجازات في الكيمياء العضويّة المرتبطة بالمواد البيولوجية. وبسرعة نسبيّة، برزت سليمان ضمن مصاف مشاهير علماء الكيمياء. نانوتكنولوجي و"دي آن إيه" لا تزال البروفسورة سليمان تتولى التدريس والبحوث في الكيمياء العضويّة وكيمياء الحِمضْ النووي الوراثي"دي آن إيه"DNA احتفل العالم أخيراً بمرور 60 عاماً على اكتشافه بيد العالمين جايمس واطسون وفرنسيس كريك في جامعة"ماكغيل". وتدير سليمان أيضاً مختبراً يضمّ فريق عمل من 22 شخصاً من طلبة الدكتوراه وما بعدها. دأبت سليمان على استخدام تقنيات النانوتكنولوجيا Nanotechnology، وهي تقنيّات تتعامل مع المواد على مقياس ذريّ هو جزء من البليون من المتر، في بحوثها الكيميائية. وطوّعت جزيئات من الحِمضْ النووي لتصنع منها أنابيب نانوية يمكن استعمالها في تطبيقات متنوعة، ففي المجال الطبي، استخدمت تلك الأنابيب علاجاً لمجموعة من الأمراض والأورام السرطانية. وتتميّز هذه الأنابيب الحيوية-النانويّة بأنها، بعد زرعها في الجسم، تتصرف بوصفها أجهزة ذكيّة تستطيع البحث عن أمكنة الخلايا السرطانية بدقة، تمهيداً للتخلص منها. وفي مقابلة مع"الحياة"، بسطَتْ سليمان هذه المعلومات وآليات تطبيقها. وقالت:"تشحن أنابيب الحِمضْ النووي بأدوية معيّنة، ثم تُدخَل إلى الجسم. وتتمثّل مهمتها في قتل الخلايا المريضة من دون التعرض للخلايا السليمة". في حال السرطان، يعتمد العلاج تقليدياً على الأدوية الكيماوية، وهي تعطي نتائج إيجابية موقته. وتضرب هذه الأدوية الخلايا السليمة والمريضة معاً، كما أنها لا تقضي على الخلايا المصابة بالسرطان بشكل كامل، ما يجعل السرطان قادراً على مقاومة العلاج، ويُعاود إصابة المريض". ولحل هذه المشكلة، استنبطت سليمان أنابيب مصنوعة من أجزاء من الحِمضْ النووي الوراثي، وأناطت بها مهمة البحث عن خلايا السرطان، كما حمّلتها أدوية قويّة. وأشارت سليمان إلى أنه عندما تدخل هذه الأنانيب إلى خلايا السرطان، تنفتح"نوافذ"صغيرة كي تفرغ منها شحنة الأدوية المحمّلة فيها. وقالت:"هذه الخطوة ليست سوى مرحلة من سلسلة تجارب عملية نجريها في المختبر للتيّقن من صحتها ودقة نتائجها". وذكّرت بأن هذا الإنجاز حاز تنويهاً عالمياً عندما نُشِرَ في"التقرير الخاص للسنة الدولية للكيمياء عام 2011"Special Report for International Year of Chemistry. وجاء في هذا التنويه أن"هنادي سليمان تفكّر في حمِضْ الوراثة بوصفه حجر أساس في بناء نُظُم ذكيّة لإيصال الأدوية إلى خلايا السرطان بصورة حصريّة. ويعتبر ما أنجزته سليمان أحد الابتكارات الكبرى المرتكزة إلى دمج جزيئات عضويّة أو كيماوية، وربطها في بنية الحِمضْ النووي". كما تناقلت هذا الابتكار مؤسسات ومجلات علمية متخصّصة منها"الجمعية الملكية للكيمياء"Royal Society Chemistry بريطانيا، و"نانو اليوم"Nano Today أميركا، و"علوم كيبيك"Quebec Science كندا وغيرها. ذهب يقصف السرطان في متابعة لهذا الإنجاز، تعاونت سليمان مع بعض مشاهير الأطباء في أمراض السرطان، في إجراء تجارب أولية على خلايا حيّة أُخِذَت من مرضى مصابين بسرطان الدم. وأثبتت هذه التجارب نجاح طريقة سليمان في التعامل مع أمراض السرطان. وفتحت هذه التجربة التي أنجِزَت في 2010، الطريق للوصول إلى المرحلة النهائية من الاختبارات على الفئران، بوصفها نموذجاً اختبارياً عما يمكن تطبيقه على الإنسان. ولفتت سليمان إلى أنها استخدمت جزيئات نانويّة من الذهب وأدخلتها في أنابيب الحِمْض النووي التي يفترض أن تحملها إلى الخلايا السرطانيّة، مشيرة إلى أن الذهب عندما يصبح جزيئاً صغيراً بمقياس النانو، يستطيع أن يمتصّ الضوء ويحوّله طاقة حرارية تعمل على تذويب خلايا السرطان. وحاضراً، تركز سليمان بحوثها على دراسة منظومات في حِمْض الوراثة النووي، وهو مُكوّن رافق وجود الإنسان بل الظاهرة الحيّة كلها، تمهيداً لإعادة تركيبها بطريقة تخدم علاجات النانو. وفي حال نجاح هذه الاختبارات، فإنها تصبح صالحة للاستعمال في عدد من مجالات الطب والصناعة والإلكترونيات وطاقة الشمس وغيرها. وعلى رغم حداثة تجربتها علمياً وأكاديمياً في"ماكغيل"، نالت سليمان عدداً كبيراً من الجوائز أبرزها جائزة"كوتريل"للتميّز في التدريس والبحوث، وزمالة"المعهد الكندي للبحث المتقدّم"، و"كرسي ويليام داوسون"وجائزة"ستروم"للكيمياء غير العضويّة التي نالتها من"الجمعية الكندية للكيمياء"وغيرها. في سياق مرتبط، انتخبت سليمان عضواً في عدد من المؤسسات العلمية المتقدّمة على غرار"المعهد الكندي للبحوث المتقدّمة"، و"مؤسسة الإبداع العلمي"كندا وغيرها. وشاركت سليمان أيضاً في"مجلة الجمعية الكيميائية الأميركية"، إضافة لكونها مستشارة في"مؤسسة قطر للبحوث"، ومشرفة على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه. ولا بد من القول أيضاً إنها حاصلة على 3 براءات اختراع مسجلة باسمها في كندا وأوروبا وأميركا. "رصاصات سحريّة" حققت البروفسورة هنادي سليمان التي ترأس فريقاً من الباحثين في قسم الكيمياء في جامعة"ماكغيل"، اختراقاً كبيراً في تطوير صناعة ما وُصِف بأنها"رصاصات سحريّة"، ربما تمكّنت يوماً ما من توصيل الأدوية الى الخلايا المريضة بصورة دقيقة وحصرية. وأوضحت سليمان أن الاختراق ارتكز على بحوث عن تقنيّات لاتّخاذ الحِمضْ النووي وسيلة في أداء وظائف تخرج عن سياق عمله الطبيعي كليّاً. وبيّنت أنه بدل الاكتفاء بكون الحِمْض الوراثي شيفرة جينية للحياة نفسها، أمكن تطويعه في صنع كُتَلٍ من المُكوّنات التي لا يزيد مداها عن بضعة نانومترات. باستخدام هذا الأسلوب، صنعت سليمان وفريقها نماذج أولى من أنابيب نانوية للحِمضْ النووي، فباتت تشبه غلافاً يحمل في داخله"بضاعة"مُحدّدة: أدوية علاج السرطان. ولا يزيد أكبر هذه الأنابيب عن عشرين ألف نانومتر، مع ملاحظة ان النانومتر يمثّل جزءاً من عشرة آلاف من قطر شعرة الإنسان. وحتى الآن، لا يمكن إلا أن تكون أنابيب النانو للحِمضْ النووي مجرد"ورقة"ثنائية الأبعاد، ملفوفة على شكل أسطوانة. ويتيح هذا الأمر تطويع الأنابيب، بل تشكيلها في طرق لا تحصى. وتخدم هذه المطواعية قدرة أنابيب الحمض الوراثي النانوي، في نقل الأدوية إلى الخلايا المطلوبة. ولم يمنع هذا الانجاز الذي حقّقته سليمان قبل 3 أعوام من إبداء نوع من التحفّظ بقولها:"نحن لا نزال بعيدين من صنع أنابيب تكون قادرة على علاج الأمراض باستخدام هذه التكنولوجيا. ما أنجزناه يعتبر خطوة في هذا الاتجاه. ويحتاج الباحثون مزيداً من الجهود لمعرفة كيفية اتخاذ أنابيب نانو الحِمضْ النووي، أداة تذهب الى خلايا السرطان، ثم تعود منها أيضاً. ونُشر هذا الاكتشاف في مجلة"الكيمياء الطبيعية"في جامعة"ماكغيل"، ونال تمويلاً من أطراف متنوّعة، بينها"المعهد الكندي للبحوث المتقدّمة".