راوحت الأزمة بين الحكم المصري والقضاء مكانها بعدما دخل قضاة في اعتصام مفتوح احتجاجاً على بدء مجلس الشورى، الذي يمتلك السلطة التشريعية في البلاد موقتاً، في مناقشة قانون السلطة القضائية الذي يطيح بنحو ثلاثة آلاف من شيوخ القضاة. وفيما أعلن نادي قضاة مصر تنظيم وقفة احتجاجية مساء غد الاثنين، علمت"الحياة"أن الرئاسة المصرية تبحث مخرجاً للأزمة التي تسبب فيها حكم المحكمة الدستورية بإلزام الدولة السماح للعسكريين التصويت في الانتخابات، قبل ساعات من حكم مرتقب للمحكمة الدستورية في دعاوى تطالب ببطلان مجلس الشورى، يتوقع أن ترفضها المحكمة بعدما حصّن الدستور المصري الجديد استمرار الشورى لمدة عام من الاستفتاء على الدستور قبل إجراء انتخابات جديدة. وكشفت ل"الحياة"مصادر رئاسية أن الهيئة الاستشارية القانونية للرئيس محمد مرسي تبحث في مخرج لأزمة السماح للعسكريين بالاقتراع، وأكدت أن"الحكم القضائي ملزم، وإلا تعرض البرلمان المقبل للبطلان"، وأشارت إلى أن جنرالات الجيش يرفضون"إقحام العسكريين في الصخب السياسي المصاحب للعملية الانتخابية". ورجحت أن يتم إرجاء السماح بتصويت للعسكريين لفترة كمخرج للأزمة، وقالت:"يمكن إجراء تعديل تشريعي ينص على إلزام الدولة بالإعداد للسماح بتصويت العسكريين بعد خمس سنوات، بحيث تكون هذه الفترة فرصة لتهيئة المناخ، وإعداد الكشوف الانتخابية للعسكريين". وكان عشرات القضاة دخلوا في اعتصام مفتوح، مساء الخميس الماضي، احتجاجاً على مناقشة مجلس الشورى لمشروع قانون السلطة القضائية الذي يرفضه معظم القضاة، ورفضهم لاستمرار المستشار طلعت عبدالله في منصب النائب العام بالمخالفة لأحكام القضاء التي قضت ببطلان تعيينه. وزار مساء أول من أمس رئيس نادي القضاة مقر الاعتصام والتقى القضاة المعتصمين، وأعلن عن تنظيم وقفة احتجاجية مساء الاثنين. ويطالب القضاة بإرجاء مناقشة كل القوانين التي تخص السلطة القضائية لحين انتخاب برلمان جديد، وعرض هذه مشاريع القوانين التي تخصهم على المجلس الأعلى للقضاء قبل مناقشتها في البرلمان. واعتبر الزند، في كلمته أمام القضاة المعتصمين في مقر ناديهم، تصريحات وزير العدل المستشار أحمد سليمان تجاه تعديل قانون السلطة القضائية أمام مجلس الشورى،"ليست جادة وهي تسويف للأزمة، ونحن نتعظ مما فعله وزير العدل السابق، من تسويف لأزمة النائب العام، والأيام تمر، وإذا كان الأمر متسماً بالجدية فليتقدم باستقالته". ورفض وصف القضاة بأنهم وقعوا"ضحية"، مضيفاً:"لم ولن نقع ضحية بل الذين يعادوننا ويعتدون علينا هم الذين سيقعون". واستنكر الزند ما اعتبرها"الاتهامات والإشاعات الموجهة لنادي القضاة بأنه يعمل في السياسة"، قائلاً:"يقولون إن النادي يشتغل بالسياسة وكأننا إحنا اللي عملنا حملة تمرّد، والعمل السياسي أدنى من عمل القاضي، والنادي لا يسعى إلى صراعات وصدامات ولكنه ترك الفرصة بأوسع أبوابها لحل الأزمة والتهدئة". وأكد أن اعتصام القضاة والوقفة الاحتجاجية التي سينظمونها مساء الاثنين المقبل تأتي في إطار"تسليط الضوء على ما يعانيه القضاة وما يتعرضون له من هجمات شرسة، ولتزويد الرأي العام بما يتم من مستجدات، وقد يكون صوت القضاة خافتاً في آذان النظام الحالي، ولكنني أعتقد أنه حينما يتحدث القضاة سيخرق حديثهم الآذان، ونأمل أن يحترم النظام ويبني دولة سيادة القانون، أما القضاة فهم قادرون على الدفاع عن أنفسهم". وشدد الزند على أنه ليس هناك اتجاه للإضراب أو تعليق العمل، قائلاً:"لم يعد في قاموس القضاة شيء يسمّى تعليق العمل أو الإضراب لأنه يوقع الضرر بأبرياء، واعتصامنا لا يعطل العمل ولا يضيع القضايا لأنه يقام بعد انتهاء العمل ومهما طالت المواجهة فلا تعليق للعمل ولا إضراب لأنه لا يجوز أدبياً مع القضاة أن يضربوا". وأكد أن تواصل نادى القضاة مع الاتحاد العالمي للقضاة والجهات الدولية المعنية مستمر على قدم وساق"لأن ما يتعرض له القضاء المصري من اعتداءات ليس له مثيل في العام أو في أي دولة متحضرة، وهو شيء مستقبح ومستهجن". ولفت إلى أن نادي القضاة سينظم ضمن فعاليات الاعتصام ندوات وصالونات قانونية حول الأزمة ومن بينها تنظيم ندوة حول"القضاء في الإسلام". وكانت مجموعة من القضاة أعلنت تنظيمهم وقفة احتجاجية مساء الاثنين للتعبير عن رفضهم"بصورة قاطعة ما يجري من محاولات لانتهاك استقلال القضاء ومحاولة تطويعه وجعله تابعاً للسلطة التنفيذية"، مؤكدين أنهم"يتلمسون في خطواتهم تلك عون الله ومساندة الشعب المصري"لهم. وقال البيان:"بمناسبة ما تمر به البلاد من أزمات تكاد أن تعصف بدولتنا، ومن منطلق واجبنا كقضاة نحرص على أن يظل العدل قائماً ببلادنا الغالية مصر.. نؤكد أن أبشع تلك الأزمات وأكثرها خطورة هو مناقشة مجلس الشورى لمشروع قانون السلطة القضائية.. ذلك القانون إذا تم تمريره سيؤدي بالبلاد إلى الظلمات". وأضاف:"لقد اتخذنا في سبيل الدفاع عن القضاء إجراءات قانونية عدة، ليس دفاعاً عن القضاء فحسب، وإنما لكي يظل القضاء حصن الشعب.. فقد علقنا عملنا وعقدنا جمعياتنا العمومية لجميع محاكم مصر وامتنعنا عن الإشراف على الاستفتاء عن دستور لم يشارك في إعداده كل طوائف الشعب بل راحت ضحيته دماء زكية، ورفضنا تعيين المستشار الموجود كنائب عام الآن، وعقدنا المؤتمرات والاجتماعات وقام نادينا العريق باللجوء للاتحاد الدولي للقضاء.. وللأسف لم يستجب من يهاجم القضاء زوراً وبهتاناً، بل زاد عنادهم غير المبرر بالاستمرار في مناقشة قانون السلطة القضائية". وذكر البيان:"لقد قررنا نحن جموع القضاة أن نحتكم للشعب.. فأنتم الآن على منصة القضاء ولكم الحكم، في أن يظل القضاء حصناً منيعاً لكم أو أن يكون عصا باطشة في يد الفصيل الحاكم.. لكم الحكم، في أن يظل القضاء ضمانة الحريات أو أداة لسلبها.. فالله الحكم ولكم في أن يظل القضاء مستقلاً أو أن يكون تابعاً كالمعيّن حالياً كنائب عام.. ولهذا فقد قررنا النزول للشارع، فنحن مواطنون قبل أن نكون قضاة، ونأمل في استقرار بلدنا الغالية". من جانبه قال المستشار محمد عبدالرازق رئيس اللجنة القانونية الدائمة للدفاع عن رجال القضاء والنيابة العامة والمنسق العام لاعتصام القضاة إن الاعتصام هو خطوة تصعيدية أولى احتجاجاً على مناقشة قانون السلطة القضائية، مشيراً إلى أن قرار الاعتصام جاء بعد إيداع الأحكام، وأنه غير مسموح لأي قاض أن يعتصم قبل أن ينهي عمله. في غضون ذلك، أمرت محكمة جنايات الإسكندرية أمس بإخلاء سبيل ثلاثة من رجال الشرطة، متهمين بقتل الشاب السكندري خالد سعيد، والذي كان الاحتجاج على مقتله أحد أسباب اندلاع الثورة، وأجلت النظر في إعادة محاكمتهم إلى 6 الشهر المقبل، للسماح لهيئة الدفاع بالإطلاع على أوراق القضية. وكانت محكمة النقض قبلت الطعن المقدم من أميني الشرطة محمود صلاح وعوض سليمان في جلسة 20 كانون الأول ديسمبر الماضي، على الحكم الصادر من محكمة جنايات الإسكندرية، والقاضي بمعاقبتهما بالسجن المشدد 7 سنوات، وذلك إثر إدانتهما باستعمال القسوة والتعذيب مع الشاب السكندري خالد سعيد، على نحو أدى إلى وفاته، وقضت بإعادة محاكمة المتهمين أمام إحدى دوائر محكمة جنايات الإسكندرية. وقال محامي أسرة خالد سعيد، محمود العفيفي، إن قبول محكمة النقض الطعن المقدم من النيابة العامة إلى جانب الطعن المقدم من المتهمين هو تطبيق للعمل بقاعدة"لا يضار الطاعن بطعنه"، مما يتيح لمحكمة جنايات الإسكندرية نظر الدعوى مرة أخرى، مطالباً بأن يشدد العقاب على المتهمين عما كان عليه. وكانت قوات الشرطة في الإسكندرية تمكنت من السيطرة على أهالي المتهمين بقتل خالد سعيد إثر محاولاتهم الاعتداء على والدته وشقيقته، داخل قاعة المحكمة بالمنشية، أثناء أولى جلسات إعادة المحاكمة. ونظم عشرات النشطاء أمام المحكمة بطريق الكورنيش وقفة احتجاجية للمطالبة بإعدام المتهمين والقصاص لخالد، وذلك بالتزامن مع انعقاد الجلسة، ورفعوا صور خالد ورددوا مجموعة من الشعارات منها"خالد خالد يا شهيد.. إنت شاهد وشهيد"، و"الداخلية بلطجية"، و"خالد خالد يا شهيد.. دمك فجّر فجر جديد". وفي خطوة استباقية لمحاولة تهدئة الأجواء في ظل تزايد الدعوات لتظاهرات حاشدة يوم 30 حزيران يونيو الجاري في ذكرى مرور عام على تولي الرئيس المصري محمد مرسي لرئاسة البلاد رسمياً، أمر النائب العام المستشار طلعت عبدالله بإخلاء سبيل جميع المتهمين المحبوسين احتياطياً في قضية الانتماء إلى تنظيم"بلاك بلوك"وذلك لتمكين المتهمين، وهم جميعاً من طلاب الجامعات، من أداء الامتحانات الدراسية. وكانت نيابة أمن الدولة العليا، قد باشرت التحقيق مع المتهمين ونسبت إليهم تهم التخريب والتعدي على المنشآت العامة من خلال قيامهم بأعمال شغب في الأسابيع الماضية.