عندما وصلتني دعوة نادي الباحة الأدبي للمشاركة في المهرجان الشعري الأول للنادي على هامش جائزة نادي الباحة الثقافية، والمتضمن مشاركة ما يقرب من 60 شاعراً وشاعرة في الفترة بين 19 و21 من شهر شوال الماضي، تلبستني حال من التفكير عن كيفية التنظيم لهذا المهرجان، إذ إنني حضرت الكثير من المهرجانات، ولاحظت بعض القصور في الكثير من جوانبها التنظيمية، وما كنت أتصور أنني سأرى ما رأيت فيه من دقة في التنظيم، والتزام بمواعيد الأصبوحات والأمسيات الشعرية، والمساواة بين الشعراء والشاعرات في كل الجوانب، بدءاً من اعتلاء المنصة وتحديد الوقت، ونهاية بتكريم الشعراء لبعضهم البعض، وهذا ابتكار جديد انفرد به نادي الباحة، فقد تعودنا أن نرى رئيس النادي أو أحد المسؤولين يقوم بتقديم شهادات التقدير أو الدروع للمشاركين، ولكن نادي الباحة كسر هذه القاعدة، وجعل كل شاعر يكرم زميله وكل شاعرة تكرّم زميلتها، إضافة إلى عضوات اللجنة النسائية، يضاف إلى ذلك الإبداع الذي تنافس عليه مقدمو الأمسيات ومديروها بالإضاءات الجميلة حول الشاعر أو الشاعرة المشاركين شعراً أو نثراً. عشنا وعلى مدى ثلاثة أيام لحظات حافلة بالشعر الذي حضر كأبهى ما هو عليه مازجاً بين المدارس الشعرية المختلفة، وموحداً لها في حضرته مضموناً وعذوبة، استمتعنا فيه بالقصيدة العمودية والتفعيلية والنثرية، حضر الشعر من السعودية ومصر والسودان والأردن وتونس وعُمان واليمن، سمعنا الشاعر التونسي الكبير المنصف الميرغني وهو يغني بعض قصائده ويسخر من أوضاعنا العربية فيقول: «دخل البرلمان فقال ماء. فقالوا له إجماع»، وسمعنا الشاعر أحمد بخيت من مصر وهو يبكي غزة والقدس، والشاعر حسن المطروشي من عُمان يمطرنا بتجلياته الشعرية، وروضة الحاج من السودان تتغزل بالباحة، والطيب برير يقرأ أحوال لحظته، أما شاعرنا السعودي الكبير محمد زايد الألمعي، فأربكنا بجمال مليحات عسير عندما يربكن سوق الثلثاء، وشاعرنا الرائع محمد جبر الحربي يتلو من حديث الهدهد وديوان العرب، وأحمد قران الزهراني يذوذ عن الماء في رائعته لا تجرح الماء، ومسفر الغامدي يوغل في قصائده الطازجة، وعبدالرحمن معيض سابي يمتعنا بغزلياته، وشاعرنا الكبير عبدالله الزيد يضحكنا ويبكينا بقصيدته الجديدة اللاذعة، وابتسام المتوكل الشاعرة اليمنية الرائعة تناجي صنعاء، وكل الشعراء والشاعرات المشاركين الذين لن تتسع هذه الزاوية لذكرهم، والذين لا يقلون إبداعاً عمن ذُكروا، والذين أمطرونا وأدهشونا بإبداعاتهم الشعرية، تلاحقهم ابتسامات رئيس النادي ونائبه وهما شاعران مبدعان، عدا المناقشات والأحاديث الجانبية من النقاد، وعلى رأسهم دكتور معجب الزهراني، التي أثرت المهرجان بالكثير من اللمحات الثقافية، ولأن رئيس النادي الأستاذ حسن الزهراني قامة شعرية لها دورها في مشهدنا الشعري، فقد كان احتفاؤه بالشعر والشعراء غير عادي في زمن رثا فيه النقاد الشعر وتفرغوا للرواية، خلاصة القول وكما قال شاعرنا الكبير محمد زايد الألمعي في تصريحه للقناة الثقافية السعودية انه منذ الثمانينات لم تشهد السعودية مهرجاناً للشعر بمثل هذا الجمال ودقة التنظيم، والحرص على راحة الضيوف وكرم الضيافة. شكراً لنادي الباحة وكل القائمين عليه على هذا المهرجان الذي لم نحظ بمثله إلا ربما على أيديهم في دورة ثانية، وشكراً على البرنامج الترفيهي الذي جعلنا نكتشف مدينة الباحة بجمال طبيعتها وآثارها وعراقتها وفولكلورها، وأشجار موزها، وشكراً لعضوات اللجنة النسائية في النادي على دورهن الذي لا يقل عن دور زملائهن في النادي، وتحية للباحة وأهلها الكرماء المدهشين بقلوبهم البيضاء كأعذاق «الكادي» الذي تزرعه وتنتجه أرضهم الخضراء. [email protected]