تسود حال من اللغط في فهم المعنى الحقيقي لدور المرأة في المشاركة السياسية والاجتماعية في المجتمع، فيرى فريق من العلمانيين ودعاة تحرر المرأة، بأن المشاركة النسائية تقوم على أساس أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة تنافسية وليست تكاملية، كما يرى الفريق الآخر، أي الإسلامي الذي يستند في مواقفه إلى دلائل من القرآن الكريم والسنة النبوية. وتشهد مجتمعاتنا في هذه الأيام صراعاً فكرياً وعقائدياً في وسائل الإعلام، وتعقد المؤتمرات وورش العمل التي تطالب بمساواة المرأة بالرجل في مجالات العمل المختلفة، وذلك بسبب ارتفاع الأصوات العلمانية المدعومة من الغرب في هذه الأيام بمثل هذه المطالبات، والترويج لها، خدمة وتطبيقاً للنظرة العلمانية الغربية في الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة في كل الحقوق والواجبات، والتي ترى أن المرأة تعني أن يتساوى دور الرجل والمرأة في كل الجوانب الحياتية. إن النظرة الإسلامية المدعومة بدلائل حقيقية تؤكد أن المساواة بين الرجل والمرأة هي مساواة في الأهمية، أي أن لكل منهما أهمية لا يستغني عنها أي منهما، كعلاقة الليل والنهار التكاملية، والمرأة لها دور في الحياة تقوم به، والرجل له دور يقوم به، ولا يستطيع كل منهما أن يقوم بدور الآخر. ذهلت لما رأيت وسمعت في إحدى ورش العمل التي عقدت في غزة للحديث عن دور المرأة، وما شاهدت من تخلف المرأة المعاصرة المنتسبة إلى الإسلام عن المستوى السامي الوضاء الذي أراده الله لها، وإنه لعجب العجاب أن يصدر هذا التناقض من نساء يحسبن أنفسهن على الجيل الواعي والمثقف وقد نهلن من مشارب الثقافة الإسلامية، وذهب بعضهن إلى حد المطالبة بأن تزاحم المرأة الرجل في ميادين العمل التي لا تناسب طبيعتها الأنثوية ذات الصفات الفيزيائية والطاقة التحملية التي تختلف عما يمتلكه الرجل، كأن تكون سائقة سيارة أجرة مثلاً. ربما هي غفلة أو عدم وعي بفكرة التوازن التي قامت عليها نظرة الإسلام الكلية إلى الإنسان والحياة وطبيعة دور كل من المرأة والرجل، بحيث أعطى لكل شيء حقه من دون هضم جانب على حساب الآخر. إن بلوغ المستوى العالي للمرأة لا يكون إلا إذا فهمت شخصيتها الأصيلة التي صاغها القرآن الكريم والسنة النبوية، والتي جعلت منها امرأة واعية مستنيرة ومميزة بمشاعرها وأفكارها ومعاملاتها، فالإسلام لم يجعل من المرأة قعيدة للبيت، وحاضنة أطفال ومدبرة منزل فقط، وإنما هي مخرجة أجيال ومعدة أبطال يقودون الأمة نحو صلاحها، فهي في عهد النبوة كانت أول شهيدة، وكانت تشير على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويأخذ بما يراه مناسباً من رأيها، وشاركته الغزوات والهجرة والدعوة. وفي فلسطين برز دورها في كل الميادين. ففي الماضي شاركت الرجل الزراعة والرعي ومهناً أخرى كانت تمارس في حينها، واليوم هي تشاركه أيضاً في ميادين العمل التي تتناسب وقدراتها وكينونتها الجسمانية، وتزاحمه في مسيرة النضال ضد الاحتلال، ودليل على ذلك أنها اليوم أسيرة وهي شهيدة وأم شهيد أو أسير أو زوجة شهيد أو أسير، كذلك هي نائبة في المجلس التشريعي وتدير مؤسسات أهلية ومجتمعية، ومعلمة وطبيبة ومهندسة ومفكرة... الخ. وتسابقه إلى ميادين الجهاد والتضحية، إضافة إلى أنها رائدة دعوة وعنصر وعي ونهضة وبناء في شتى شؤون الحياة، تؤدي رسالة سامية تحت مظلمة الإسلام السمحة. أمام كل هذا، فإن المرأة الواعية فكرياً وعقائدياً هي امرأة تعي واجبها نحو نفسها مدركة بأنها مكون من جسم وعقل وروح لكل منها متطلباته ومكوناته، ولذلك عليها أن توازن بينها ولا تجنح إلى العناية بواحد على حساب الآخر، بل تعطي كل جانب من هذه الجوانب حقه من العناية المطلوبة لتحقيق شخصيتها الإنسانية المتوازنة التي رسمها لها الإسلام، وأظهرها في أحسن صورها. ميرفت الشريف ? بريد إلكتروني