هل تستعد إيران لصيف حار قادم، أم إنها ستواجه ما يحمله لها من تحديات على الطريقة التقليدية والسائدة في سياسة طهران منذ وصول محمود احمدي نجاد الى سدة السلطة قبل نحو ثماني سنوات، وهي الطريقة الاقرب الى السياسة الشعبوية الديماغوجية؟ مثل هذا السؤال يشغل بال كثيرين من متابعي الشأن الايراني والمهتمين بأوضاع ايران ودورها في المنطقة، كما انه يشغل بصورة بديهية الايرانيين من مختلف الاتجاهات بعد ان وضعتهم سياسة نجاد امام حائط مسدود، وقد وجدت في معظم الاوقات تأييداً ومباركة من جانب علي خامنئي مرشد الثورة الايرانية. ان تحديات الصيف الايراني المقبل كثيرة ومتعددة، لكن ابرزها في الداخل الانتخابات الرئاسية، والتي ستكون محور نزاع بين ثلاثة اتجاهات متصادمة، اولها تيار محافظ كبير لكنه منقسم على نفسه، والثاني تيار اصلاحي ضعيف وتحت القبضة البوليسية للتيار المحافظ، والثالث تيار وسطي يطرح نفسه بديلاً لما يراه في التيارين الآخرين من عجز في القدرة على ادارة شؤون ايران واخراجها مما آل اليه وضعها من صعوبات نتيجة عجز السياسات التي جرى تطبيقها في العقدين الماضيين، تبادل فيهما الاصلاحيون والمحافظون السلطة من محمد خاتمي الى احمدي نجاد. وعلى رغم اهمية التفاصيل المحيطة بالانتخابات، التي يجري الاشتغال عليها من جانب الأطراف المختلفة وتأثيرها على احتمالات الصيف المقبل، فان ثمة معطيات اخرى في واقع ايران على الصعيدين الداخلي والخارجي، ستلعب دورها في صيف ايران المقبل، ولعل الاهم في المعطيات الداخلية هو تصاعد الصراعات السياسية في البلاد، وهي صراعات لا تقتصر على تناقضات النظام مع معارضيه ومنهم"جبهة المشاركة الإسلامية"و"منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية"، أبرز حزبين إصلاحيين في البلاد، بل تمتد داخل النظام وتركبيته على نحو ما تبدو مواقف رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران هاشمي رفسنجاني الرئيس الايراني الاسبق وآخرين غيره بينهم سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، وهو قائد سابق للحرس الثوري، كما انه احد تعبيرات التيار الثالث بعيداً عن المحافظين والاصلاحيين. وللوضع الاقتصادي في تردياته وتدهوره تأثيره القوي على الصيف المقبل. وخلافاً لما يفترض ان يكون عليه حال بلد يملك ثروة نفطية وعائدات ضخمة، فان ايران تعاني من صعوبات اقتصادية جدية ناتجة من الخيارات والسياسات التي يتبناها النظام وحكومة نجاد، والتي تستهلك الجزء الاكبر من عائدات ايران ومواردها في ثلاثة خطوط ذات استهلاكية عالية للمال، اولها المشروع النووي، والثاني رفع وتعزيز القدرات العسكرية، والثالث مساعدات تقدم الى حلفاء النظام ومنهم سورية والى ادواته من جماعات عسكرية وامنية وسياسية، لا تعد في الخارج، وقد زاد على ما تقدم تعرض ايران الى عقوبات دولية خسرت نتيجتها نصف عائداتها بسبب تلك السياسية، لا سيما مشروعها النووي مما خلق زيادة في المشاكل والصعوبات الاقتصادية، كان من نتائجها نقص في موجودات النقد الاجنبي وانخفاض شديد في قيمة العملة الايرانية، حيث وصلت في وقت سابق من العام الى اقل من نصف قيمتها خلال شهر واحد، وهذا بين مؤشرات تردي الاوضاع الاجتماعية والمعاشية، والتي تبدو مؤشراتها الأوضح في تزايد البطالة والفقر الذي يؤشر لحالته قول نجاد مؤخراً أن ثلاثمئة إيراني يهيمنون على ستين في المئة من ثروات البلاد، فيما يعيش عشرات ملايين الايرانيين على اربعين في المئة. وباستثاء ما ستفرزه تطورات المعطيات الداخلية وتداعياتها السلبية، فإن للمعطيات الخارجية أثر مهم على صيف ايران المقبل. ذلك ان استمرار سياسة التحدي والعنجهية والتدخلات في المستويين الاقليمي والدولي ستعزز التحالف ضد ايران وسياساتها، التي وان استفادت في تمرير الوقت من اختلافات تكتيكية في الحلف الدولي ? الاقليمي المناهض لها، فإن الاختلافات لن تستمر، فيما عنجهية طهران تتزايد حيال الدول المحيطة عبر تدخلات فجة في سورية والعراق ولبنان، وتهديدات متواصلة لبلدان الخليج وضغوطات على تركيا بالتزامن مع استعراضات للقوة العسكرية الايرانية في منطقة الخليج، والتي شهدت في الفترة الاخيرة عدداً من اهم المناورات العسكرية. وهو ما يترافق مع تحرك ادوات ايران في المنطقة، وارسالها تهديدات ضد بلدان وشعوب المنطقة على نحو ما تظهره التهديدات التي اطلقها"حزب الله"في العراق لكل البلدان المجاورة للعراق وبينها السعودية والكويت. ان تدخلات ايران في العراق وسورية والدعم الذي تقدمه للنظام في دمشق يمثل احد ابرز تحديات ايران الاقليمية، حيث بات حضور ايران وموقفها يصطدم بالارادة الشعبية في البلدين، ويهدد نفوذ ايران ووجودها بصورة حاسمة في سورية، وبصورة جزئية على الأقل في العراق وسط تصاعد الاعتراض الشعبي العربي لسياسة طهران الاستفزازية عبر القوة من جهة ومن خلال تسعير الصراعات المذهبية من جهة ثانية. صيف ايران المقبل لن يكون حاراً بفعل الاوضاع الداخلية واحتمالاتها فقط، بل نتيجة عوامل ومعطيات خارجية، يمكن ان تتداخل فيها الضغوطات السياسية والاقتصادية، وقد تكون في سياقها ضغوط عسكرية تطاول ايران بصورة مباشرة، وتمتد الى حلفائها، وتضرب بعض ادواتها في المنطقة وربما في خارجها ايضاً، وهو وضع يجعل نظام ايران على حافة الهاوية، ان لم يسقط في عمقها! * كاتب سوري