كان انتخاب باراك أوباما لولاية ثانية بمثابة لفحة تفاؤل هبت على العلاقات الروسيّة- الأميركيّة، لكن الشهرين الأخيرين بدداها. وترى روسيا أن أميركا تلتزم معايير مزدوجة أو عبثيّة. وتتساءل عن معنى إقرار مشروع قانون"ماغنيتسكي"في مثل هذا الوقت، الذي كان يفترض أن يشهد تحسناً في العلاقات الروسية-الاميركية. ويقال أن واشنطن تبذل ما في وسعها لتحسين الأجواء مع موسكو، على خلاف الكرملين الذي يضحي بالعلاقات الثنائيّة من أجل تحسين شعبية السلطة الحاكمة. لذا، تستهجن أميركا أن تبادر موسكو إلى أن تقرّ اليوم- بعدما انقضى موعد الانتخابات الرئاسية الروسية- قانوناً عدائياً يحظر تبني الأطفال الروس، ولا يدرك هؤلاء السياسيون العلاقة بين القانون الأميركي الذي يعاقب الموظفين الروس الفاسدين، والقانون الروسي الذي يعاقب الأهالي الأميركيين المتعاطفين مع اليتامى الروس. والأكثر غرابة أن لا سبب أساسياً للنزاع بين البلدين ما عدا الموضوعات التي لا تخرج عن الواقع المعتاد بين بلدين كبيرين، يتصارعان على المصالح الاستراتيجيّة. ونظرة الأوروبيين إلى روسيا اليوم تشبه النظرة في القرن التاسع عشر، حين كانت روسيا جزءاً من السياسة الأوروبية لكنها مختلفة عن الحضارة الأوروبية العامة. وتبدو هذه المقاربة أكثر وضوحاً في السياسة الأميركية التي تقدم نفسها على أنها النموذج الديموقراطي المثالي، وتسعى إلى فرض قيمها في العالم. وروسيا تتغير. والى وقت قريب، لم يكن متداولاً احتمال تخليها عن التحول الديموقراطي على شاكلة الدول الغربية. أمّا اليوم، في ولاية بوتين الرئاسية الثالثة، لم تعد موسكو ترى ضرورة لتبني مسار التنمية التي ينادي بها الغرب، بل تهتدي بمفهومها الخاص عن الخير والشرّ، والقيم الخاصة بها. ولكن علامَ يجب أن تستند الهوية الوطنية الروسية؟ ليس محض مصادفة أن يريد بوتين إحياء التاريخ الروسي في الحرب العالمية الأولى، وهو حدث أهمل في الكتب المدرسية السوفياتية. ويقترح بعض المراقبين أن تستند الهوية الوطنية إلى تاريخ الإمبراطورية الروسية في القرن ال 19 الذي شهد العديد من الإنجازات الثقافية وانطلاق البلاد نحو التطور والتحديث، قبل أن تتوقف نتيجة الاضطرابات أوائل القرن العشرين. والدول التي تنظر إلى الماضي لتستلهم حاضرها منه، لا يمكن إلا أن توصف بالتقليدية والمحافظة. والنقاش المحتدم في روسيا حول دور الكنيسة في المجتمع، ومكافحة التجديف والانحلال الأخلاقي لكن ،لكن التقاليد لا يسعها دفع عجلة روسيا إلى مرحلة جديدة من التطور. والغرب كذلك يعاني أزمات حادة، وإدراكاً للتهديدات الماثلة أمام القيم الليبرالية، سيتمسك بها من أجل الحفاظ على هذا النموذج المجتمعي والمفتاح للحفاظ على الهيمنة العالمية. ويُستبعد أن تنحو العلاقات الأميركية- الروسية نحو عملية"ريستارت"إعادة إطلاق ثانية. والعزاء الوحيد أنّه في عالمنا اليوم، الأوضاع لا تدوم طويلاً على ما هي عليه. * محلل، عن"موسكو تايمز"الروسية، 28/1/2013، إعداد علي شرف الدين