أخبروني عن بيروت التي حزنت حزناً شديداً وما عادت تجد في الكون رجاء. أخبروني عن بيروت التي دفنت تحت أثقال عمارتها وما وجدت لبكائها عزاء. بيروت التي لم تحاول حمل قلبها بيديها حتى لا يسقط أرضاً فيتفتت. بيروت التي تركت العمر يذوب في ألسنة نار اقتاتت من شرايينها. بيروت التي وجمت يوم التفت خلايا جسمها المحبط بلفائف من حديد والتي اقتلعت خصل شعرها حتى لا يلتهمها الضحى ويستلقي على رأسها. أخبروني عن بيروت التي اختارت ان تغتال عاشقيها بيديها، والتي تركت الوهن ينبت بين أحزان قلبها، هي التي اعتادت على صوت رصاص بات في عنقها، وعلى جراح افترشت سهول يديها وافترست أهداب عينيها، هي التي حمت رأسها بغبار خوف أقلق جفنيها. أضاعت طريق الامل والوعد، لكن كيف لم يخبرني أحد عن بيروت التي صادقت الاحلام وتركتها تلتف حول أناملها. عن بيروت التي كللت رأسها باقة من غار، حفنة من ريحان، وتاج من أزهار. لم يخبرني أحد عن أضواء بيروت، عن دفء ذراعيها وحرارة قبلها. لم يخبرني أحد عن روح بيروت الفتية. عن لؤلؤة اقتحم نورها ظلام البادية السمراء. عن مدينة عطرها يغرق في الحيرة. عن مدينة طاولت بغرورها حدود السماء فسكنت في غيمة مرصعة بالالماس ومنعت عن عيون حراسها النوم المريح. لم يخبرني أحد عن مدينة جعلت الكون يدور في أفلاكها والنجوم تموت غيرة وتتمزق ألماً. بيروت تركت القلب ينتشي حباً والحواس تذوب عشقاً. بيروت تزدان بك الروح، والكواكب تنحني امام مجدك. ضميني اليك بيروت، فمن أجلك قويت نبضات الفؤاد، ومن أجلك فاضت ابتسامات الثغر. خذيني اليك بيروت فمن أجلك انتفض الجسد، ومن أجلك، من أجلك أنت اختل توازن العقل. ومن أجلك أنت جُنّ القلب. مليسا لوقية - لبنان