دخول نائبات محجبات الى البرلمان التركي هو اختبار مهم يمتحن"حزب العدالة والتنمية"الحاكم في تركيا، ويختبر نواياه في مجال الحريات. فبعد القانون الذي سمح للمحجبات بالعمل في المؤسسات الحكومية، جاء التوافق على السماح للمحجبات بدخول البرلمان. وسنعتاد على رؤية صور مرشحات محجبات ووزيرات، وربما حتى رئيسة وزراء محجبة. وعلى رغم أن بعض الوظائف الرسمية لم تدرج في اطار هذا القانون، يشير التوجه العام الى أننا سنرى عن قريب ضباط شرطة ومجندات في الجيش وقاضيات محجبات. ويبرز سؤال اليوم: هل سيفرض ضغط نفسي على غير المحجبات يحملهن على ارتداء الحجاب لأسباب لا علاقة لها بالاعتقاد الديني الحر؟ وهل تشن حملات دينية او اجتماعية تدعو للحجاب و"تفرضه"على البنات في اجزاء مختلفة من المجتمع؟ وهذا حدث في مصر وأدى الى تراجع دور المرأة وفرض الحجاب على كثيرات من غير قناعة بل للانتساب الى جماعة أو نزولاً على ضغوط اجتماعية. قد يقول بعضهم ان مصر مختلفة عن تركيا، لكن هذا لا يلغي مشروعية هذا التساؤل. لا يستخف بأهمية خطوة حرية الحجاب في سياق رفع القيود عن الحريات وضمان المساواة في الفرص والحقوق للجميع في تركيا. ولا شك في أننا سنرى مرشحات محجبات لانتخابات البلدية في 2014، ومرشحات الى الانتخابات التشريعية في 2015. وبعضهم يسأل من اليوم عن حظوظ المرشحة المحجبة قياساً الى حظوظ المرشحات غير المحجبات؟ وثمة من يقول إن هذه القوانين الجديدة أفسحت المجال أمام ابنة رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، سمية، لخلافته في السياسة وربما في الحزب في المستقبل القريب. وهي لا تفارقه، مستشارة رسمية له وتشارك في معظم اجتماعاته ورحلاته السياسية. ورفع القيود عن الحجاب قد يساهم في بروز تغييرات في الحياة السياسية التركية. ففي الماضي، نادت جهات سياسية بفرض"كوتة"نسائية وحصة محددة من المقاعد لهن في البرلمان والمجالس المحلية. ودرج الحزب الحاكم على رفض هذا الاقتراح بذريعة أن المنافسة على هذه الكوتة ستقتصر على غير المحجبات. اما اليوم، فالعودة الى دراسة هذه الاقتراحات مرجحة. وفي البال الكلمة المميزة التي ألقتها النائب شفق بافاي عن حزب الشعب الجمهوري المعارض قبل أيام والتي حذرت فيها الحزب الحاكم من فرض ضغوط على غير المحجبات في المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والتلويح بفصلهن او فرض الحجاب عليهن. وأشارت الى أن للحزب الحاكم سوابق مماثلة في مجالات مشابهة. وروت ما حصل معها حين ارتدت سروالاً في البرلمان لتستر رجلها الاصطناعية التي فقدتها في حادث مروري. فيومها انتفض نواب الحزب الحاكم ورفضوا ارتداء المرأة للبنطلون بذريعة أنه غير مدرج في النظام الداخلي للبرلمان. وأشارت الى"عقلية تنميط"لدى حزب"العدالة والتنمية"تدحض مزاعم سعيه الى ضمان الحريات. ووجهت سهام الشك الى زعم الحزب الحاكم بأن السماح للمحجبات بدخول البرلمان هو توسيع للحريات وليس للاستثمار الديني في السياسة! وحريّ بالاتراك ألا ينسوا ان في بلادهم من هو محروم من حقوقه بسبب الضغط الديني. فالعلويون يسددون الضرائب للدولة. لكن هذه تخص تمويل الاماكن الدينية بمؤسسة الشؤون الدينية التي تمول الجوامع وأئمة المساجد لكنها ترفض الانفاق على دور عبادة العلويين او شيوخهم. وثمة قيود كثيرة على الحريات في تركيا. و"مستوى"الحرية تراجع أخيراً. فالقيود فرضت على حرية الرأي والتعبير، وعمت هواية حبس الصحافيين. وثمة مئات، ان لم نقل آلافاً، من ضحايا قانون الارهاب الذي لا يميز بين المتعاطف والارهابي، أو بين النيات وبين الفعل. وهناك اقلية مسيحية تنتظر منذ اربعة عقود الاعتراف بحقوقها كأقلية. وثمة حقوق للاكراد يلوح بها قبل كل انتخابات ويتراجع عنها بعد كل فوز انتخابي. خلاصة القول إن خطوة دخول المحجبات الى البرلمان هي اختبار لنيات حزب"العدالة والتنمية"الحاكم الذي ضمن الحرية لناخبيه ومريديه، فهل سيضمن حريات الناخبين الآخرين؟ * محلل، عن"راديكال"التركية، 3/11/2013، إعداد يوسف الشريف