أنزل من بيتي في السابعة صباحاً. الشوارع دبت فيها الحياة، كلُ ذاهب إلى عمله ومصالحه. تتلألأ أضواء أعمدة الإنارة رغم سطوع الشمس ورغم حضّ الحكومة الدائم لنا على توفير الكهرباء وفصلها يومياً أكثر من مرة عنا. المشوار لا يأخذ أكثر من ساعة. أركب مواصلتين ككل يوم. تستنزف الأجرة راتبي، فهي في زيادة دورية لوجود أزمة في السولار والبنزين، وأقول انه حتى لو حُلت الأزمة فلن تعود الأجرة الى قديمها، ما يرتفع في بلادي من أسعار تحت أي سبب لا يعود إلى الانخفاض مرة أخرى. المواصلة الأولى تنزلني قبل مكان العمل بمسافة صغيرة، أقف لدقائق وأركب مواصلة أخرى، تقريباً لا تتعدى المسافة من أول الشارع لمبنى الإدارة التي أعمل بها خمس دقائق، أحاذر دوماً من التأخير، فمديري رجل جهم لا يكره أحداً مثلما يكرهني. يبحث لي دائماً عن سبب لمجازاتي، ويقول إن ما يفعله لا يخالف الشرع. توقفت أمامي سيارة فركبت، لم يكن بها أحد سوى السائق وصبيه، الصبي لا يتعدى العشرين، والسائق ربما في السن نفسها أو يكبره قليلاً. الصبي كان يضع أمامه وعاء مسطحاً فرد عليه تبغ عدد من السجائر. كان يفرك التبغ مع قطعة حشيش قسمها بمطواة قرن غزال قبل أن يلف هذا المزيج في أكثر من سيجارة. ودفع بإحداها الى السائق: صباح الفل يا صاحبي. السائق من دون أن يتكلم سحب نفساً عميقاً كتمه لثوان وأخرجه في كثافة من منخاره وفمه. التفت إلى المطواة قرن الغزال والتي كانت تلمع في ضوء الشمس بشدة وتعكسه نحوي، أخافني المشهد فطلبت منه التوقف. فرمل السيارة بصورة مفاجئة مما دفعني الى الترنح وكاد يقذف بي خارجها. نزلت مسرعاً بينما السائق كان يسحب نفساً جديداً من سيجارته، تذكرت أنني لم أدفع له أجرته. هرولت نحوه منادياً، نظر الى الصبي غير عابئ: - أنت ما اخدتش مني أجرة. - شكلك موظف غلبان. روح مش مستاهلة أجرة. سحبت نفسي، بينما قدماي كانتا ترتعدان، المطواة قرن الغزال ما زالت تلمع في ضوء الشمس، أكملت طريقي بعد أن تحركت العربة بينما رائحة الدخان المخدر بدأت تسري في جسدي، فجعلتني أمشي في هدوء. أسرعت الخطى حتى لا أتأخر. لا أدري لماذا ثبتت في ذهني صورة مطواة قرن الغزال، تمنيت أنني لو أخذتها ودفعتها في كرش مديري الممتد أمامه كحامل في شهرها الأخير. الفكرة نفسها جعلتني أضحك، جسدي ما زال على حالته من خدر، كنت منتشياً سعيداً وأنا أتخيله يلفظ أنفاسه الأخيرة فتعثرت. نفضت ملابسي بعد أن قمت، وأكملت طريقي. +