الحكم على ثلاثة أعضاء في فرقة موسيقى البانك"بوسي رايوت"بالسجن سنتين مع أشغال شاقة، يعيد إلى الأذهان محاكمة فرقة الروك التشيكوسلوفاكية،"بلاستيك بيبول أوف إرث"، في سبعينات القرن الماضي. وأوجه شبه كثيرة تجمع بين تشدد النظام التشيكوسلوفاكي الشيوعي الآفل، وتشدد نظام موسكو إزاء"مثيري الشغب"ومنتقدي النظام. وفي الأسبوع الأخير، تسنى لمن عرف المرحلة الشيوعية العودة إلى الماضي، إلى أيلول سبتمبر 1976 تحديداً. فيومها، اتهم شباب يرخون شعورهم الطويلة على الأكتاف، ب"إثارة الشغب والاضطراب". وهؤلاء لم يخالفوا النظام ولم يخرجوا على المألوف، لكن الشيوعيين كانوا يرون في جمع الذكور الشعر الطويل إلى عزف الموسيقى، وتنظيم الحفلات الخاصة مع الأصدقاء والإحجام عن التزام الطقوس الشيوعية، عصياناً وخروجاً على الولاء للنظام التوتاليتاري. ولا يستهان بالطابع الرمزي لقضية فرقة"روك بلاستيك بيبول أوف ذا يونيفرس". واعتقل"مثيرو الشغب والاضطراب"بتهمة الإعداد لتنظيم حفلات خاصة في منازلهم أو في ملاهٍ ليلية، ويبدو أن فصلاً جديداً من خريف براغ 1976 يدور في موسكو، وهو كان وراء الزخم الذي أفضى إلى نشر"شرعة 77"المطالبة بإصلاحات ليبيرالية في تشيكوسلوفاكيا وأنذر ببدء سيرورة تفكك المعسكر السوفياتي. فالمغنيات الشابات في فرقة"بوسي رايوت"اتهمن بارتكاب شغب، و?"المس بالنظام العام"إثر الرقص والغناء في ابرز كنائس موسكو والتضرع ل"طرد بوتين"من الحكم. ولا شك في أن الفرق بين القضيتين كبير. فشباب"بلاستيك بيبول"وأصدقاؤهم لم يقدموا على استفزاز علني استعراضي - سياسي، ولم يرغبوا في طرد أي كان من السلطة، وهم نظموا حفلاتهم وراء الأبواب المغلقة بعيداً عن الأضواء، واللافت كان عدم اكتراثهم بما يجري في البلد، واقتصرت رغبتهم على أن يعيشوا على هواهم فحسب. والحق أن القاضي الروسي توسل خطاب تشيكوسلوفاكيا التسلطي الآفل لإدانة الشابات. يقف نظام بوتين - وبوتين نفسه بحسب خبراء روس- وراء المحاكمة السياسية هذه في مشهد يبدو كأنه يخرج من الماضي الشيوعي البائت. وتوقيف الشابات وإدانتهن يميطان اللثام عن الوجه الحقيقي لنظام بوتين. ويعود الفضل إلى وسائل الإعلام في تسليط الضوء على تسلط حاكم يبطش تسكنه روح الانتقام ويسعى إلى إحياء نسخة جديدة من النظام الذي خدم في صفوفه يوم كان جاسوساً شاباً. ويتساءل بعضهم عن أسباب ضعف تأييد الروس لقضية"بوسي رايوت"، على نحو ما تظهر استطلاعات الرأي العام، لكن مهزلة المحاكمة التي نقلت مباشرة عبر شاشات التلفزيون لا تظهر أن تأييد الروس لبوتين كبير. فالمحاكمة هي عرض عضلات لا يتوجه إلى المشاهدين في الخارج بل إلى سائر الروس. ومنذ انتخابه يواجه بوتين موجة احتجاجات تعتبر سابقة. وهو يسعى إلى بث الخوف في أوصال منافسيه. ولا شك في أن اهتمام وسائل الإعلام والسياسيين والفنانين والنجوم بهذه القضية لن يفتر، بل ستنتقل عدواه إلى قضايا أخرى. وثمة عبرة تستخلص من التجربة التشيكوسلوفاكية الشيوعية:"الضغط"السياسي على النظام يحول دون تعنيف الشابات واغتيالهن وراء القضبان. وتبرز الحاجة إلى تحويل موجة التنديد الأخيرة إلى حملة سياسية فعالة تقيّد يد الرئاسة، وإلى توجه براغ إلى بوتين على أنه عدو القيم الأثيرة على قلوبنا منذ 22 سنة. * معلّق، عن"ريسبيكت"التشيخية، 20/8/2012، إعداد م. ن.