تقوم فكرة برنامج"نون"عبر قناة"الآن"على اجتماع مجموعة من النساء، العاملات في الحقل الإعلامي، أو ما يشبه، من أجل الكلام في الأحاديث المتنقّلة على مجموعة من المواضيع، ذات الشأن العام. سيكون الأمر لافتاً حقاً لو أن القصة تقف عند حدود تبيان خصوصية نظرة المرأة إلى شؤون، عادة ما تكون من اختصاص الرجال، وبالتالي الانفلات من دائرة"كلام النواعم"، وقولهن في ما يخصّهن أولاً، وربما وحدهن، أو يخصّ المجتمع كله، اتكاءً على اهتمامات المرأة، ومن وجهة نظرها، كما يفعل البرنامج الشهير، على قناة"إم بي سي". هذه المرة"مع برنامج"نون"، وعلى خلاف شبه تام مع"كلام نواعم"، تبدو المرأة وكأنها تريد محاكاة الرجل، بل لعلها تحاول منافسته، في الدخول إلى حيّزه، في الغالب الأعمّ، على الأقل في عالمنا العربي، والبيئة المشرقية عموماً، إذ تدخل صاحبة"نون النسوة"، أحاديث السياسة والاقتصاد، المجازر والحروب، والفقر والمجاعات والمؤامرات، وتدلي برأيها في موسم"الربيع العربي"، مثلاً، أكثر مما تتوقّف عند أحاديث البيت والأسرة، أو الاكتفاء بتناول هموم الجمال وفنونه! ستكفّ المرأة، هنا، عن كونها مجرد"ناعمة"، تتحدّث بكلام"نواعم"، لتتحول إلى مهنة التحليل الاستراتيجي، وربط المقدمات بمنطقها، لتصل إلى استخلاص النتائج، ولتغرف من المعلومات التفصيلية، بغية تأييد رأيها، ودعم موقفها، لا فرق في هذا بينها وبين الرجل في شيء. إنه سياق برامجي خاص، بات معروفاً في الفضاء العربي، غايته التخلّص من حشر النساء في مسائل"الجندر"، وهمومه وإشكالياته، والانتقال بالمرأة تالياً من هامش حراك المجتمع إلى متنه، ومن كونها متلقياً تابعاً، سلبياً في غالب الأحيان، إلى حيز الفعل والمشاركة بالقول والرؤية، بداية، والفعل والمساهمة تالياً. لا يفضّ سياق هكذا برامج ملابسات النظرة العامة للمرأة، في الذهنية العربية، ولا يقوّض أساسها، بل هو ربما يقوم عليها، ويستند إليها، من خلال التحرّك في ظلالها، مدّعياً، بشيء لا يتخلّى عن الخفة تماماً، أن صاحبات ال"نون"يمكن لهن أن يفعلن صنو ما يقوم به أصحاب ال"ميم"، بما في ذلك من هذيانات لا تكفّ الشاشات العربية عن إتحاف جمهور المشاهدين بها، تحت مُسمّيات صارت مثار طرف، من طراز تكاثر وجود المحللين السياسيين، في مجتمعات لا سياسة فيها، وتوالد الخبراء العسكريين، في بلاد تعجز عن تحقيق انتصار عسكري واحد! من حق المرأة، أن تكون لها برامجها الخاصة، تلك التي تمثل فسحة مناسبة لتقول فيها ما تراه، من زاويتها، وبخصوصيتها، وطبيعة اهتماماتها. تماماً كما هو حقّ سائر فئات المجتمع أن تكون لها حصصها من البث، سواء الفئات العمرية، أم المهنية، أم ما يخطر على بال القائمين والقائمات، على توزيع حصص البثّ، وتنضيد البرمجة، من فئات... لكن السؤال، في طراز هذه البرامج، سيبقى سؤال الخصوصية!