صمت امضِ، إنهم تحت الثرى... غيمةٌ تنزلق فوق قرص الشمس. الجوع بنايةٌ عالية تتحرك أثناء الليل في غرفة النوم ينفتح عمود نفق المصعد المعتم باتجاه الأحشاء. أزهارٌ في الخندق. أبواق وصمت. امضِ، إنهم تحت الثرى... فضة الطاولة تعيش في أفواج كبيرة في قاعٍ كبير حيث الأطلنطي أسود. عندليب في باديلوندا في منتصف الليلة الأخضر عند حدود العندليب الشمالية. أوراق شجر ثقيلة تتعلق في شبه غيبوبة، السيارات الصماء تندفع نحو خط النيون. صوت العندليب لا يتنحى جانباً، إنه حاد مثل صياح ديك، لكنه جميل وبلا خيلاء، كنت في السجن وزارني. كنت مريضاً وزارني. لم ألحظ ذلك وقتها، إنما الآن. الزمن ينهمر من الشمس والقمر وفي جميع تك تاك تك الساعات البارة. لكن هنا بالتحديد ليس ثمة وقت. فقط صوت العندليب، النغمات الرنانة الحادة التي تشحذ منجل السماء الليلية المضيء. عميقاً في أوروبا أنا هياكل سفن قاتمة متنقلة بين منفذين أسترخي على سريرٍ في الفندق بينما المدينة تصحو من حولي. الصخب الصامت والضوء الرمادي ينهمران ويرفعانني ببطء إلى المستوى المقبل: الصباح. أفق يتعرض للإنصات. يريدون أن يقولوا شيئاً، الموتى. يدخنون لكنهم لا يأكلون، لا يتنفسون بيد أن الصوت يبقى. سأسرع قاطعاً الشوارع كواحدٍ منهم. الكاتدرائية المسودة، ثقيلة مثل قمر، تحدث جزراً ومداً. هجائية أبنيةُ الرأسمال، كماماتُ خلايا النحل القاتل، عسل للأقلية. هناك كان يعمل. لكنه في نفق مظلم أفرد جناحيه وطار دون أن يراه أحد. يجب أن يعيش حياته ثانيةً. بريد جوي بحثاً عن صندوق رسائل حملت رسالتي عبر المدينة. في غابة كبيرة من الحجر والإسمنت رفرفت الفراشة التائهة. سجادة الطابع الطائرة حروف العنوان المترنحة إضافةً إلى حقيقتي المختومة حائمة في تلك اللحظة على البحر. فضة الأطلنطي الزاحفة. سلسلة من السحب. زورق الصيد مثل نواة زيتونةٍ مرمية. ندوب الزوجة الشاحبة. هنا في الأسفل يجري العمل ببطء. غالباً ما أسترقُ النظر إلى الساعة. ظلال الأشجار أرقام سوداء في الصمت الجشع. الحقيقة ملقاة على الأرض لكن لا أحد يجرؤ على التقاطها. الحقيقة تقع في الشارع. لا أحد يجعل منها حقيقته. المحطة قطار يصل المحطة. هنا تقف عربة خلف عربة، لكن الأبواب لم تفتح، لا أحد يصعد ولا أحد ينزل. ألا توجد ثمة أبواب؟ هناك في الداخل يحتشد أناس محبوسون في حالةٍ من التململ. يحدقون من خلال النوافذ الثابتة. وفي الخارج يمشي رجل بمحاذاة القطار ومعه مطرقة. يضرب على العجلات، إنه قرع خافت! ما عدا هنا تحديداً. هنا الرنين يزداد بشكل غير مفهوم: ضربة رعدٍ، رنين ناقوس كاتدرائية، جلجلة تنتشر في العالم ترفع القطار كله وأحجار المحيط الرطبة. كل شيء يغني. ستتذكرون ذلك. واصلوا السفر. ترجمة علي ناصر كنانة (من ديوان «ليلاً على سفر» الصادر عام 2003 عن المؤسسة العربية)