منذ فترة والروائي الجزائري بو علام صنصال الذي يكتب بالفرنسية ويعيش بين الجزائر مدينة بومرداس وفرنساباريس يثير النقمة والسخط من جهة الجنوب الجزائر والترحاب والتقدير من جهة الشمال فرنسا حيث أصبح في فترة قصيرة نسبياً واحداً من أهم روائيي الجيل الجديد الذي خلف كتّاب المرحلة الكولونيالية مثل محمد ديب وكاتب ياسين ومولود معمري وحتى جيل الاستقلال الذي لم يعرف صعود نجم الكثيرين أللهم إلا رشيد بو جدرة، ثم جيل رشيد ميموني والطاهر جاووط الأول توفي بداء السرطان وهو في عز تألقه الأدبي، والثاني قتله الإرهابيون... وكاد هذا الأدب يدخل في معمعة النسيان، حتى أن روائياً مثل بو جدرة قرر الانتقال إلى العربية رواية"التفكك"آخر الثمانينات، وتحدث بثقة كبيرة على أن مستقبل الرواية الجزائرية سيكون للكتاب الذين يكتبون باللغة الأم أي العربية. غير أن انفجار العنف ودخول الجزائر في حرب أهلية لفترة العشرية السوداء جعلا الجزائر محط أنظار العالم كحدث سياسي وتاريخي أثار الاهتمام والفضول. وهو الأمر الذي جعل دور النشر الفرنسية بخاصة تهتم مجدداً بمن يكتبون بالفرنسية وتدفعهم إلى الواجهة. ولولا تلك الأحداث الأليمة التي عرفتها الجزائر ما كان سيظهر اسم الروائي البارز الآن ياسمينة خضرا الذي اشتهر بأعمال روائية عبرت عن مرحلة العنف بم تحلم الذئاب؟ خرفان المولى...، وهي الأعمال التي جعلته في الواجهة الإعلامية من جديد، وهو لم يكن يحسب له حساب في الجزائر على رغم أنه كان نشر روايات لم تلفت انتباه أحد. ولم يكن خضرا هو الاستثناء، فقد برز الكثير من الأسماء والروايات التي تتحدث عن هذا العنف وتعبر عنه لحاجة في نفس دور النشر الفرنسية التي أعادت الاعتبار إلى المكتوب بالفرنسية من جديد وأولته كل العناية والاهتمام. وفي هذه الفترة ظهرت أسماء جديدة مثل سليم باشي كلب عوليس - منشورات غاليمار وكذلك اسم الروائي بو علام صنصال عبر روايته"قسم البرابرة"التي نشرتها غاليمار ترجمها إلى العربية محمد ساري - منشورات الاختلاف، وهي أثارت منذ البداية تحفظات الوسط الإعلامي والأدبي الجزائري الذي انتقد النزعة النوستالجية الغريبة للفترة الاستعمارية وهو ما لم ينكره الروائي الذي قدم نفسه حينها، على أنه روائي ضد السلطة التي حكمت البلاد منذ 1962 وضد الأصوليين الذين يعتبرهم مرضاً من أمراض السلطة المشوهة التي أفرغت البلاد من محتوياتها الحداثية التي تركتها لنا فرنسا قبل الاستقلال. خطابات واتهامات استمر صنصال في كتابة روايات تفضح زيف الخطابات المغشوشة بلغة فرنسية متقنة ورؤية نقدية صريحة من دون أن يهتم بسيل الاتهامات التي تطاوله كل مرة بأقلام المنتقدين الذين يعتبرونه"خائناً"في المعنى الرمزي لقيم الوطنية. وحتى عندما تصادف وجوده في استديو برنامج ثقافي في قناة فرنسية اجتمع فيه مع ياسمينة خضرا فوجئ خضرا بالكلام الخطير الذي صرح به حينها ضد بلده وقال موجهاً له اللوم:"لا يمكننا أن ننتقد بلدنا في هذا الشكل". لكن صنصال لم يهتم بذلك وهو لا يهتم إلا بما يلقاه من ترحاب ودعاية واهتمام لدى"لوبيات"الإعلام والأدب في فرنسا التي فتحت له الأبواب ليتحدث ويكشف وينتقد ويمدح من يريد مدحه ويشتم من يريد شتمه. في كل مرة يثير صنصال زوبعة نقدية من حوله، فمع روايته ما قبل الأخيرة"قرية الألماني"أثار قضية اعتبرها بعضهم مسّاً بمقدسات الثورة التحريرية وهي التحدث عن شخصية نازية ساهمت في ثورة التحرير. وعلى رغم كل الانتقادات إلا أن صنصال قال في النهاية إن هذه الشخصية حقيقية، وإنه لم يخترعها من خياله، وإن عمل الروائي يكمن في فتح ملفات التاريخ من جديد وكشفها للرأي العام بطريقته الخاصة. ولعل هذه الرواية هي التي فتحت له الطريق ليحصد جائزة السلام التي تمنحها رابطة الناشرين الألمان 16 تشرين الأول - أكتوبر 2011 باعتباره واحداً من الأصوات النقدية التي تمثل الحركة الديموقراطية في شمال أفريقيا، متزامنة مع الربيع العربي حينها. وعبّر صنصال عن فرحه بهذه الثورات الجديدة وهو يتنبأ بأن الربيع العربي الذي بدأ في تونس سيصل أيضاً إلى تل أبيب ورام الله، بل إن الرياح السياسية الجديدة"ستصل إلى الصين"أيضاً. المهم أن صنصال يعرف كيف يحبك خيوط أسطورته الشخصية عندما يكتب روايات تثير زوابع لدى العرب ومدائح في الغرب، وهذا ما جعله دائماً في وضع الأول الذي يجذب الانتباه إلى نفسه ورواياته، وما إعلانه قبول زيارة"مهرجان الأدباء العالمي"الذي احتضنته مدينة القدسالمحتلة من 13 إلى 18 من الشهر الجاري والذي دعته إليه وزارة الخارجية الإسرائيلية، إلا نوع من الدخول في قلب الحدث من جديد، ولكن من زاوية لم يكن يتوقعها منه أحد هذه المرة. وهكذا، سارع الكثير من الكتاب العرب في التعبير عن استيائهم من هذا التصرف الذي يعتبرونه معارضاً لقيم الجزائر التي تقف مع الشعب الفلسطيني تحت شعار"الجزائر مع فلسطين ظالمة أو مظلومة". وطبعاً، في مثل هذه الانتقادات يتم تجريد الكاتب صنصال من كل قيمة خلقية أو ثقافية فيصبح ذلك"العربي الخادم"أو"العميل الإسرائيلي الجديد". وقد حملوه فجأة وزر الخيانة والتبعية والخروج عن تقاليد الثورة الجزائرية التي تقوم على مناصرة حركات التحرر الوطنية. غير أن كاتباً مثل الحبيب السايح صاحب رواية"زهوة"اعتبر أن ذلك يبقى خياراً فردياً وحراً للكاتب، وأنه لا يستطيع أن يلوم كاتباً على خياراته، مشيراً من جهة أخرى إلى أنه يتمنى أن يقوم بزيارة مماثلة للشعب الفلسطيني حتى لا تعتبر زيارته مساندة لإسرائيل. والكلام نفسه قاله الروائي أمين الزاوي لجريدة"الأحداث"الجزائرية:"لا أتفق مع الروائي بو علام صنصال على هذه المشاركة في مؤتمر ينظم في إسرائيل مهما كانت التبريرات، لا لشيء إلا لأن اللقاء يجري في بلد استعماري". لكنه في الوقت نفسه تساءل:"إن بو علام صنصال كاتب كبير وله كل الحق في ممارسة قناعاته الشخصية والفكرية والسياسية ولنا كل الحق في ألا نتفق معه في مثل هذه الممارسات. ومع ذلك أقول أيضاً وأتساءل ومهما كان اختلافنا مع كتابات صنصال: لماذا يبكي الجزائريون على سلوك بو علام صنصال في الوقت الذي يتم تجاهله في بلاده؟ بل يتم إلغاؤه كروائي من الخريطة الثقافية".