يحكى أنه في غابر الزمان كانت هناك فتاة ممشوقة القوام نحيلة جسمها لم يتدور بعد. كانت جميلة كالفراشة الملونة، لها جناحان تفتحهما للريح، وتُحلق في السماء، فيتطلع إليها الناس السائرون في شوارع المدينة، الآتون من مسافات ليتجمعوا في الميدان. كانوا يندهشون لشعرها الأحمر كالعُرف، تتطاير خصلاته أعلى الوادي، يشقّه النيل منذ آلاف السنين هابطاً من منبعه في القارة السوداء. لم يروا مثلها من قبل، فنبضت قلوبهم بفرحة الاكتشاف. من قبل جاءتهم صورتها في الأحلام، لكن عندما شاهدوها رأوها أكثر جمالاً مما كانت في الخيال. خطفت أنفاسهم بجسدها المنساب، لا ترتدي إلا ملابس قطنية تُرفرف حولها، لا تُخفي وجهها في قناع، لا تضع عليه المساحيق، ولا تلف حول ذراعيها أساور من ذهب مرصعة بالأحجار. كانت كالطبيعة تعرض حقيقتها للعيان. لم يكن ممكناً أن يظل الناس محملقين في السماء، فقد حلموا بها طويلاً في الليالي السوداء. سعوا إليها بعد طول انتظار فهبطت بينهم، وسارت مع الناس فأحاطوها بأجسادهم، بالغناء، بدبيب الأقدام في المواكب. أصبحت جزءاً من مسارهم، من حياتهم، فأثارت الخوف والغيرة من قوة تأثيرها، من حقيقتها تنتزع الأحجبة والأقنعة والأنقبة عن وجوه الجالسين في القصور، عن وجوه الحكام، والكهنة، والفقهاء. خشوا على أنفسهم من جمالها، من شبابها، فتنازعوا حولها كالوحوش. أرادوا أن يُحولوها إلى محظية، أن يمتطوها، أن يفعلوا بهذه الأنثى الجميلة ما تراءى لهم في خيالهم المؤجج بلفائف الحشيش. تكاثر الذين نهشوا لحمها. سحلوها، واغتصبوها ونزعوا ثوبها الأبيض. أطلقوا عليها القناصة والسموم والغازات. عذبوها في الأقبية المظلمة التي أقامها الأسياد منذ قديم الزمان. فتحوا ساقيها حتى يُحددوا إن كانت عذراء وفقاً للتقاليد الموروثة. نزعوا عينها اليُمنى، ثم اليُسرى حتى تفقد قدرتها على الإبصار. قتلوا مَنْ كانوا يُدافعون عنها. جنّدوا فقهاءهم. اتهموها بأنها ساحرة أرسلها الأعداء لتبث الفتنة بين الناس. كانت صبية لم يصلب عودها، فأصابها الإرهاق. وهنت أنفاسها. صارت كالهمس لا يسمع لها صوت إلا لمن يسترق السمع فقرروا أن يُسرعوا بدفنها حيَّة. استدعوا أهل العقد والحل، فأوصوا بلفها في كفن من الأوراق القديمة. صلّوا عليها وأرقدوا جسمها في صندوق من الخشب. كلفوا الجند بحمله إلى مساحة من الأرض الخلاء عند تخوم الصحراء. بعد أن دفنوها استراحوا وتفرغوا لتقسيم السلطة والخيرات. مرت الأيام، لكن على مسافة قصيرة من المكان الذي دُفنت فيه تصادف أن عدداً من الصبية والبنات كانوا يلعبون الكرة عندما فوجئوا بالأرض تموج تحت أقدامهم ثم تنشق، بامرأة عارية ممشوقة القوام، شعرها أحمر وجسمها مثخن بالجراح تصعد من الشق. رفعت قوامها وتمطعت كأنها استيقظت من سبات. نظرت حولها تستكشف المكان، ثم فتحت ذراعيها كالجناحين وطارت في خط مستقيم عائدة إلى قلب المدينة. هذا ما حكاه الناس. لكن العُهدة على الراوي، ولا أحد يعرف الحقيقة سوى شاهد الأشياء.