في مهرجان طيران الإمارات للآداب، قابلت فريقاً كبيراً من الطلاب والطالبات يعملون كخلية نحل نشطة. هذا المشهد ليس بغريب أبداً عن الفعاليات التي أحضرها في دبي، إلا أنني في مهرجان طيران الإمارات فوجئت بالطالبات يتحدثن معي ويتعرفْن عليّ ويقدمْن أنفسهن لي. إنهن طالبات من جامعة الشيخ زايد، وقد ناقشْن في أحد فصولهن الجامعية كتاباً قد كتبته. سألتهن وماذا تفعل طالبات جامعة زايد هنا؟ قلن لي إنهن متطوعات، أي أنهن في نشاط طوعي يخدم ضيوف مهرجان الطيران فيقدمْن المساعدة لمرتاديه، بدءاً من خدمة قص التذاكر، مروراً بتنظيم الدخول، وانتهاءً بتقديم استبيانات تقيس مدى رضا الزائر عن الخدمات المقدمة وطريقة تحسينها. لم يَلفت نظري أن هؤلاء الشابات عبرْن فقط عن شخصية إماراتية متوازنة، وهن في سن يفكر صاحبها باللعب والترفيه أكثر من تقلد المسؤوليات. ولم يَلفت نظري أنهن يحافظْن على زيهن الوطني، بل لفت نظري ابتسامة مشرقة لم تفارق وجوههن واهتمام لافت للنظر بقراءة الكتب الإنكليزية والعربية والتعرف إلى ضيوف الثقافة وكأنهم نجومهن المفضلون. قادني الفضول لأعرف أكثر فأخذت أسأل بعض شباب وشابات الجامعة إن كان التطوع هو مادة مقررة عليهم في المنهج، أو أنها شرط لحيازة درجتهم العلمية فأكدوا لي أنهم ملزمون بالاشتراك في عدد من الفعاليات وخدمة المجتمع، التي تطلب تطوعاً. تخيل ما الذي يتعلمه طالب أو طالبة حين يصبح فاعلاً في تنظيم الناس، بدلاً من أن يتلقى هو التوجيه، غير الشعور بالمسؤولية والانتماء إلى هذا المجتمع، واحترام الخدمة العامة وشغل الفراغ؟ التطوع ليس بالمال فقط، لأن الإنسان في هذه السن الصغيرة لا يملك مالاً، لكنه يمتلك طاقة يستطيع أن يسهم بها في خدمة الناس وصيانة المرافق العامة والمحافظة على البيئة وفئات المجتمع المحتاجة. هذا هو ما يرتقي بشعوره وسلوكه حين يصبح شريكاً في هذه المؤسسة لا طارئاً عليها. وما يقوده إلى الانتماء إلى المكان ليصبح حارساً له لا مدمراً أو مستهلكاً أنانياً. العمل التطوعي هو استثمار للطاقات الشابة وتنمية الحس بالمسؤولية والانتماء وحاجة المجتمع. شبابنا سيكفُّون عن التفحيط وذرع الشوارع وهدر الوقت، لو ذاقوا حلاوة أن يكونوا ذوي أهمية لمن يحتاج إليهم من الناس، مثل الحجيج والمعتمرين في مكة أو ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء، أو مرتادي الحدائق والفعاليات الثقافية المختلفة. العمل التطوعي لن يكون سلوكاً وقيمة اجتماعية شائعة إن لم تبدأ به المدرسة وتصبح متطلباً لتخرِّج طالب الثانوية العامة وطلاب الجامعات والمعاهد العلمية. والعمل التطوعي هو عمل لا يستفيد منه الطرفان فقط، بل ينعكس بالمحبة على الناس وعلى المجتمع كله. [email protected]