يعدّ جلال الشرقاوي رمزاً فنياً في الوطن العربي، وهو أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرجت على يديه أجيال، ولو أنه يعتبر نفسه أستاذاً ومخرجاً مسرحياً محترفاً وممثلاً هاوياً. يملك الشرقاوي مسرحاً عريقاً في مصر هو"مسرح الفن"، وكانت آخر عروضه"دنيا أراجوزات"التي تنبأت بثورة كانون الثاني يناير في مصر، كتبها محمود الطوخي وأخرجها الشرقاوي في إطار"مسرح الكباريه السياسي". يقول الشرقاوي:"لطالما كنت معنياً بالمسرح السياسي، منذ أيام مسرحية"بشويش"1990، وفي حرب الخليج الأولى، قدمت مسرحيات"حودة كرامة"و"شباب روش طحن"و"امسك حكومة"و"برهومة واكلاه البارومة"، وأخيراً"دنيا أراجوزات"التي أغلقتها الشرطة المفترية قبل الثورة مباشرة، لأنها تنبأت بالثورة، وناقشت كل الأحداث التي دعت إلى قيامها، بل وصل الأمر إلى إغلاق مسرحي بسببها ومحاولة طردي منه!"، مضيفاً أن"هذا هو دور المسرح الحقيقي، ليس أن يقدم حلولاً، بل أن يكشف ويحرّض ويدق ناقوس الخطر". وشدد الشرقاوي على أنه لا يملك الأرض التي أقام عليها مسرحه، بل يستأجرها من محافظة القاهرة بموجب عقد سنوي بمئة ألف جنيه،"أما كل ما عليها الآن من مبانٍ وأجهزة صوتية ومقاعد وموبيليات فهي ملكي، وتبلغ قيمتها ملايين الجنيهات، وحاولوا طردي من مسرحي بالقوة قبل الثورة بسبب خلافاتي مع وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني". وشدد الشرقاوي على أن الكوميديا ليست كل ألوانه المسرحية، و"الفارْس"أو"الفودفيل"ليست بالضرورة الكل في الكل، على رغم إقراره بأنها"رائجة، لأن الجمهور يريد أن يضحك ولو موقتاً، والسياسة في مسرحي هي أيضاً كوميديا سياسية تفجّر الضحكة السوداء". شباك التذاكر وفي حين يرى نقاد كثر أن الشرقاوي مخرج روائع مسرحية، فهو يعتقد بالعكس:"هذا في الكتب، إنما في شباك التذاكر فأعتقد أن لا، لأن الجمهور يقبل على الممثل، لا على المخرج، مهما كان الأخير عبقرياً من وجهة نظره. والإحصاءات تفيد بأن 80 في المئة من الجمهور يتوجهون إلى المسرح أو السينما لمشاهدة نجمهم المفضل، وخمسة 5 في المئة يشاهدون العمل بسبب اسم مخرجه، وخمسة في المئة بسبب المؤلف، وعشرة في المئة لأسباب أخرى، قد يكون من بينها أنه مارّ بالصدفة أو أنه تعوّد على مكان العرض أو ربما تلقى دعوة مجانية". وأضاف:"يبدو أنه كان عليّ أن أقدم مسرحية"شباب روش طحن"لكي أتذكر ذلك كله، مع أنني أعرف جيداً هذا القانون منذ زمن طويل، والظاهر أنني نسيته، أو أن نوعاً من الغرور انتابني للحظة وأوهمني أن اسمي قادر على جذب متفرجين كثرٍ". وعن مسرحيته الفذة"امسك حكومة"، قال إنها نجحت على المستويين الفني والجماهيري، ضمّت نجوم كوميديا مثل صلاح عبدالله وأحمد رزق ووفاء عامر وهند صبري وعلاء مرسي ومجموعة شباب مسرحية"شباب روش طحن". تجربة التدريس وجلال الشرقاوي الذي تعاقبت عليه أجيال من الفنانين في المعهد، نجوماً ومخرجين، يرى أن التدريس هو التجربة الأهم في حياته. أما عن عزوفه عن الإخراج لمسارح القطاع الخاص الأخرى، فيقول:"معروف عني أنني لا أُخرج إلا لمسرحي، وأحياناً أذهب لإخراج بعض العروض لمسرح الدولة فقط، مثل مسرحية"الجنزير"، وأنا أرحب دائماً بالتعامل مع القطاع العام لأنني أدين له بالفضل، فقد خرجت من عباءته، ولا بد من أن أرد الجميل، حتى لو كان المردود ضئيلاً". وإذ نسأل الشرقاوي عن المسرحيات التي يعتبرها مميزة في تاريخه، وشكّلت بصمته، قال إن التحديد صعب،"لكن لا بد أن أذكر مسرحيات مهمة في حياتي على غرار"الأحياء المجاورة"لأنيس منصور، وهي أول مسرحية قدمت فيها نصاً للجمهور، و"آه يا ليل يا قمر"التي تحدثت عن النكسة، و"بلدي يا بلدي"التي تحدثت عن الحاكم المنفرد، و"أنت اللي قتلت الوحش"التي رفضت من خلالها البطل الفرد، و"عفاريت مصر الجديدة"التي تحدثت عن دولة المخابرات في مصر، و"ملك الشحاتين"عن الصراع بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية". فهل حقق الشرقاوي، المخرج المخضرم، أحلامه كلها؟"الفن طويل والحياة قصيرة"، يقول،"ومهما قدمت من أعمال فالفن أوسع مما نتصوره، أشعر بأن عقلي ووجداني ممتلآن بالأشكال والمضامين المسرحية، وأرجو أن أستنفد ما بقي من عمري في تحقيق جزء مما في داخلي".