عيد جديد يمر على سورية التي لم تحتفل بأعيادها منذ سنة إلّا على صفحات الروزنامة، إنه عيد الأم، مناسبة خجولة أخرى تأتي لتفتح جروحاً لم تندمل على أمهات سوريات يتذكرن في هذا اليوم وفي كل يوم أبناء رحلوا عنهن في هذا العام، أمهات ما زلن في انتظار أبناء لم يستردوا العافية بعد، وأخريات ينتظرن عودة أبناء مفقودين أو معتقلين. عيد أول أيام الربيع، حلّ هذا العام في ربيع الثورات، وفي ظل خوف أمهات كثيرات من أن يفقدن أحباء لهن ويصبحن عاجزات عن الاحتفال لسنوات مقبلة بهذا العيد أو أي عيد آخر. لا تحتاج الأمهات السوريات، هذا العام، للهدايا بمقدار ما يحتجن لسماع كلمات الحب والطمأنينية والسلام، تحت وطأة ما تمر به البلاد من أحداث عنيفة أودت بحياة أكثر من 9000 مواطن ما يجعل أي احتفال أقرب إلى"الخيانة". حتى الاجتماعات المعتادة في مثل هذه المناسبة والتي يتحول معها بيت العائلة إلى مكان لالتقاء كل أفراد الأسرة المحملين بالهدايا للأم أو الجدة، لم تعد كما كانت في السابق. تقول نوال وهي أم لفتى في السابعة عشرة:"من غير المعقول إقامة أي طقس احتفالي، وننسى الأمهات اللواتي تشكل الدموع والأحزان عنواناً ليومياتهن بعد أن فقدن ابناً أو لأنهن أجبرن على ترك منازلهن". وفيما تتشح عائلة أم طارق بالسواد بعد شهرين على فقدان رب العائلة بنيران لم يعرف مصدرها على طريق الغوطة، يبدو السؤال عن الاحتفال بعيد الأم استخفافاً بمأساتها، لكن وردة بيضاء بيد واحدة من ابنتيها الوحيدتين قد تحمل لها العزاء أكثر مما تفعله أي هدية أخرى مهما كانت ثمينة. وتنتظر أم خالد إطلاق سراح ابنها المعتقل منذ شهر تقريباً، هي لا تتذكر عيدها هذه السنة، عزاؤها الوحيد وعيديتها:"الإفراج عن سامر، ابني الطالب في كلية الطب البشري. أي شيء آخر بلا قيمة بالنسبة إلي". هديتي أن يبقى في المنزل ما من عيد وهدايا لأمهات سورية هذه السنة، حسبهن كلمات جميلة ومشاعر دافئة، علّها تعيد إليهن الشعور بالأمان على أبناء يصعب السيطرة عليهم في مثل هذه الظروف. تقول أم نزار:"أخاف على ابني، فالجامعة تشهد نشاطات احتجاجية كل يوم، الهدية الوحيدة التي ترضيني هي بقاء وحيدي في المنزل..."ولكن هل سيتمكن نزار من تقديم هذه الهدية لأمه؟ طوال عام كامل لم تغب عن عيون السوريين مقاطع الفيديو التي تظهر أمهات سوريات مفجوعات بفقدان أبناء لهن، لا بل إن هذه المشاهد تركت أثراً عميقاً في النفوس، ووضعت الأم السورية في قلب الأحداث شأنها شأن بقية فئات المجتمع، وإذا كانت مئات الأمهات فقدن أبناء وأقارب، فإن مئات الأسر فقدت الأمهات، لتزول هذه المناسبة كلياً من روزنامة حياتها. وغابت الإعلانات عن عروض الهدايا والمطبوعات الخاصة بالمناسبة على خلاف الأعوام السابقة، واكتفى بعض المحال بالتركيز على بطاقات المعايدة والورود كهدايا رمزية للأمهات، وهي تلقى إقبالاً معقولاً بالنظر إلى الوضع الاقتصادي المتردي، واتجاه الأسر إلى التركيز على توفير المواد الأساسية عوضاً عن شراء الهدايا.