قبل مجيء ناي، كنت أحسبني أعرف ماذا يعني أن تكون المرأة أمّاً، معتقدةً أنها سنّة الطبيعة - المدهشة حتماً - إنما التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، باستثناء أننا أصحاب ذلك المني وتلك البويضات... وكنت لا أستسيغ رفقة الصديقات ممن يستفضن في شرح فضائل الأمومة ومزاياها، ويروين كيف تحوّلت أجسادهن وعلاقتهن بمن حولهن، حتى أنني كنت أحياناً أشكّك في صحة روايتهن، أقلّه بدقتها، ناظرة إليهن كممثلات دخلن في نشوة الارتجال لدرجةٍ أنستهنّ أنهنّ إنما أسيرات لحظة استثنائية ستفقد بريقها وصدقيتها ما أن يختفي الجمهور. كنت لا أصدّق الأمومة كما يحلو للكثيرين تصويرها، إذ أفكر أن البهائم والنبات تضع أيضاً صغاراً ولا تطالبنا باعتراف او بمديح، وأرى أن محبّة الأم بئرٌ دفينة لا تخلو قيعانها من برودة وقسوة وكائنات ظلام. إلى أن جاءت ناي. أكثر بكثير مما توقعتُ وحلمتُ وأملتُ. رغبت بها وأردتُها رغماً عن أنف الحياة، ومشيت إليها وحيدة لا رفيق لي ولا شريك. جاءت متأخرة، كسحابة ظلّلت شجرة عمري، وأنا على دراية ويقين أن وقتنا مقتطع وأنني سأغادرها ذات يوم، مرغمة وقبل الأوان. أحملها، ثم أروح أخاف عليها من وحدتي وجموحي ورعونتي، فهي لم تختر المجيء وما اختارتني، وربما لن يمكنها أبداً أن تختار. ثم أجدني أخاف منها على فرديتي وكتابتي وانفلاتي، ويرعبني فجأة ارتباطي الأبدي بهذا الكائن الصغير، أنا التي طالما روّعني الارتباط، أيّ ارتباط. ولكن، لابنتي ناي مذاق آخر. لها عينان تجرحان قلبي كلما رنت إليّ وابتسمت، وأكاد لا أستطيع النظر إلى أصابع يديها وقدميها الصغيرة، طرية بضة توشك أن تذوب بين لثمي وعضّي وشمّي وقُبَلي. كلما سألني أحد عنها، أو ذكرها في معرض توفير مساعدة ما ?"من أجل ابنتك ناي"? أشعر أنني صرت أمّاً للتوّ، في اللحظة عينها، أنها موجودة خارجي، من دوني، أنها حقيقة للمرة الألف، وأن روحي التي تغرغر ضحكاً وبكاء عند سماع اسمها، تردّد سرّاً: لستُ أمّاً. أنا فقط أمّ لطفلتي ناي.