آن أوان انتقال المعارضة الروسية من رفع الشعارات العامة والفضفاضة إلى صوغ مطالب واضحة، وتقديم برنامج غير ملتبس يتناول كيفيّة تغيير النظام السياسي في البلاد في هذه المرحلة وبعد الانتخابات الرئاسيّة. ولا فائدة ترتجى من الحسابات الرياضيّة لأعداد المتظاهرين المعارضين والآخرين الموالين. وعلى رغم الصقيع والافتقار إلى القدرات التنظيميّة والموارد الإداريّة، شارك في تظاهرة المعارضة عشرات آلاف الروس. ولا يمكن التقليل من شأن عزيمة هؤلاء المواطنين وحماستهم. فتصميم الناس على الخروج إلى الشارع في هذه الظروف ما هو إلا دليل على عمق الأزمة في روسيا. والاعتراض على السلطة ليس حكراً على تظاهرات المعارضة. فالناس الذين انضموا إلى حشد الموالاة لديهم اعتراضات على السلطة. أمّا قائدهم بوتين فهو وراء انقسام الساحات إلى معارضة وموالية. وخلاصة القول إن الطبقة الحاكمة تجد نفسها مضطرة للردّ على الشارع، من غير أن تعرف السبيل إلى مثل هذا الرد. وهذه الصعوبات التي تعاني منها السلطة لم تستغلها الجماهير المعارضة. "روسيا من غير بوتين"هو شعار المعارضة الأشهر. لكنه مطلب غير واقعي، يعرّض التحركات المعارضة إلى الموت السريري والشلل. وحري بالمعارضة ألا تتأثر باحتمالات فوز بوتين في الانتخابات الرئاسية، وألا تتراجع عن أهدافها، إذا دارت الشكوك حول تزوير النتائج والتلاعب بها. ولا يخفى على المعارضين خطر تزوير الانتخابات. بالتالي، تبرز الحاجة إلى بدء حملة تجييش للمراقبين المستقلين. ويترتب على مراقبة العملية الاقتراعية وغيرها من الخطوات استمرار"ثورة الثلج"والعمليّة الانتقاليّة في البلاد. والسبيل إلى تفادي فتور حماسة المعارضة وانفراط عقدها، هو بدء الإعداد للمرحلة الانتقالية والابتعاد عن الشعارات الفضفاضة وإيلاء الأولوية للأولويات. ليس المطلوب العدول عن الشعارات الجارحة للسلطة، بل انتهاج نهج متماسك يشق طريق هذه الحركة المتنوعة أمام التغيير ويخولها حمل السلطة على إرساء إصلاحات بناءة مثل تغيير القانون الانتخابي، وإصلاح النظامين القضائي والأمني. وأعلنت السلطة الروسية رغبتها في إجراء إصلاحات قضائية وأمنية، ولكن لا يخفى على المراقبين أن التصريحات هذه تفتقر الجدية وغير نافذة وغير فعالة. وبعض الإصلاحات في القطاعات الأمنيّة لم يفض إلى تقويم الأوضاع، وتنزيه القضاء. وبعض السياسات الإصلاحية المزعومة التي تلتزمها السلطة غامضة، وقد تؤدي إلى ترسيخ احتكار السلطة ومفاقمة المشكلات المترتبة عليه. يفترض بالإصلاحات الملحة في المؤسسة القضائية والسلك الأمني، أن تكون نقطة التقاء بين أطياف المعارضة الليبراليين والقوميين المجتمعين في الساحات، والمشاركين في حلمٍ واحد، هو إرساء نظام اجتماعي وسياسي عادل. وفصول الأزمة في روسيا لم تنته بعد. * صحافي، عن "غازيتا" الروسية، 4/2/2012، إعداد علي شرف الدين