كامرأة مولودة في مجتمع شرقي، اعتدت مبكراً على مشاهد العنف في حياتي. حاولت في كتابتي، التصدي لحالات العنف في مجتمعي، وركّزت أكثر على العنف ضد المرأة، باعتبارها الطرف الأضعف، وكتبتُ عن جرائم قتل النساء باسم الشرف. لكن كل هذا يبدو وكأنه ينتمي إلى عالم بعيد، إذ يكاد المشهد السوري الحالي يتجاوز لفظة العنف. ولم تعد مفردة العنف مقبولة أمام فانتازيا القتل والتفنن بالتعذيب. بل لا بد للّغة من اختراع مصطلح آخر، كالدمار، أو الإبادة، أو الاندثار. المواطن السوري اليوم، لا يشعر بأي أمان، أمام غياب مفهوم الدولة، الحق والعدالة، وبخاصة تعرضه للقصف بالطيران على مرأى العالم العاجز عن حمايته. كل هذا العنف من السلطة، ولّد عنفاً في المقابل لدى أطراف كثيرة، رأى بعضها التدخل لإحقاق الحق، وبعضها للارتزاق، فغدا المشهد مغمّساً بالدم والجثث والأشلاء. كما لو أنّ الكل، اكتشف أن الحلّ هو فقط بالعنف، ما أدّى إلى استخراج الوحش الكامن داخل الإنسان، والذي حاولت المفاهيم المدنية دفنه. ولكن الحقيقة أن الإنسان هو وحش، يرغب في استعادة وحشيته. ثمة استمتاع بالقتل، قتل لمجرد القتل، قتل من دون سبب، بربرية مطلقة، بل صار إثبات الذات يتم عبر القتل. إن استمرار العنف، يغيّب مفهوم الحق والعدالة والعقاب، ويهدد مجتمعاتنا بفقدان مدنيتها وإنسانيتها، والحصول على نسخة جديدة من المجتمعات البدائية. نكاد نعود إلى النسخة البدائية من صورة الإنسان الذي يأكل أخاه الإنسان، وحيث لا مناص من القتل، أمام قاعدة قاتل أو مقتول، أي أننا أمام تهديد حقيقي: موت الحضارة الإنسانية.