أحلام الثورة هل باتت خراباً؟ أم ضاعت بين أنقاض الحريات، وركام الآمال؟ يتندر مصري معارض وهو يستمع إلى الهتافات المطالبة بإسقاط"حكم المرشد"إشارة الى الإخوان المسلمين، مستغرباً رفض الاقتداء بتجربة حكم المرشد في إيران والتي"قادتها إلى مصاف الدول النووية، فباتت تتحدى أميركا". ويسترسل معدّداً متطلبات الحكم القوي الذي تهون أمامه الحريات، وتصبح لا محرّمة، لا لهدف سوى حماية استقرار الحكم الحكيم! ألم يأت بصناديق الاقتراع، ألم يخترْهُ الشعب بعد الثورة على الاستبداد؟ ليبرالي آخر، ينظر إلى محاصرة أنصار"الإخوان"مبنى المحكمة الدستورية في القاهرة، يقارن بين حال مصر بعد ربيع 25 يناير، وحال تونس بعد سنتين على"ثورة الياسمين". ورغم اختلافٍ في الوقائع والتفاصيل، يعدّد ملامح"أخوّة"وكبوة قد تتطلب حقبة طويلة للتغلب عليها. بعد الثورة في إيران التي قادها الخميني، ألم تُسفَك دماء كثيرة وتسقط رؤوس كبيرة؟ لكن، ل"الربيع العربي"خصوصيات، مثلما كانت للمستبدين العرب سماتهم. ومَنْ يراقب حكم"المرشد"في تونس حركة النهضة الآن وسلطة"المرشد"في مصر، ويسمع شعارات المعارضة المصرية ضد الاستبداد الجديد، ويراقب الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بين الغاضبين في سيدي بوزيد وحجارتهم، يدرك ان محنة الخيبة بعد"الربيع"أكثر مرارة بكثير من خريف القمع والفقر. وحجم الخيبة بحجم السؤال: كم يكون ثمن تفادي نحر الثورة، مضاعفاً لثمن إطاحة مبارك وبن علي؟ مع المرشد الذي لا يحتمي في المنطقة ب"ولاية الفقيه"، بل ب"بلطجية وميليشيات"ترى المعارضة أن سلاحها التلفيق والتخوين والتكفير، تعانق مصر تونس، تصبح محنة"التطهير"مذبحاً للثورة... لا يستثني أي إدارة ولا الإعلام ولا القضاء، لا يفرّق بين رجل وامرأة، أَوَليست تلك أمّ المساواة؟ أما الرئيس المصري محمد مرسي الذي أغرته الشرعية الانتخابية باستعجال الصدام مع الشرعية الثورية، والقفز السريع الى بناء الدولة كما يشتهيها"الإخوان"، فلعله لا يجيب عمَّن له سلطة فك الحصار عن المحكمة الدستورية العليا، ويفضّل ألاّ يجيب إذا سُئِل ما الفارق بين مَنْ يحاصرونها ومَنْ يرتكبون ممارسات"الشبيحة"تسلطاً وقهراً، إلغاءً لصوت الآخر، أو لحياته إذا أُعلِن النفير استنهاضاً للأنصار من أجل"حماية الثورة"! وما إن يتحول أصحاب الثورة الثوار الى خصوم لحمايتها، يمكن العربي أينما كان أن يعي أن حال مصر اليوم تُنذر ببركان يبتلع"الربيع"وآباءه وأبناءه... طالما لا يفصح مرسي عن تلك الكائنات الغامضة التي تهدد مسار بناء المؤسسات الشرعية، فتقتضي دستوراً عاجلاً، ورئيساً متوّجاً، ومرشداً له الطاعة، ومليونيات تصفّق ولا تزعج القصر ولا الحاشية. هل يُحسِن العرب، بشجاعة استثنائية، تحطيم أنظمة استبداد، ولا يجيدون بناء عمارة الأمل بإنشاء المؤسسات بلا استئثار أو غطرسة أو محاصصة؟ قبل"الربيع"كانت المعادلة رئيساً هانئاً ومواطناً صامتاً، وسجناً فسيحاً، وإذ باتت شارعاً في مقابل شارع، انهمك الجميع في تعبئةٍ للتحدي، من أجل"حماية الثورة"تتعطل شرايين الاقتصاد، يزداد الفقراء فقراً، والخائبون إحباطاً، والمتزمتون تعنتاً، لا أمل بأي تعددية معه. وبانتظار كشف هوية تلك"الكائنات"الغامضة التي تتربص بثورة 25 يناير، وتزيد حيرة مرسي وارتباكه مع الذين"لا يفهمون نياته"، وبانتظار اكتشاف حكومة"النهضة"الدواء بعدما استغرق تشخيصها"الداء"سنتين، سيجد محمد البرادعي الملايين من المصريين يتململون مثله لأن"الإخوان لا يختلفون عن مبارك"... وسيتخرج في سيدي بوزيد آلاف من الفقراء أمثال محمد البوعزيزي، لا يجدون في اعتراف المرزوقي بعدم امتلاك"عصا سحرية"، جواباً يليق بالرد على قلق مواطنيه من الغرق بين لجّتي اليأس والإحباط. هناك، لم تعطِ"النهضة"التي قفزت الى السلطة بشرعية انتخابية، مثالاً يُبعِد عنها شبهة التحضير لحكم مديد، خلافاً لما سعت إليه الشرعية الثورية. هناك تنقلب الأولويات، فيصبح"التطهير"قبل الرغيف، وولاء المؤسسات قبل متطلبات التنمية. سنتان"ربيعاً"، فلننتظر نهاية لصراع الحكّام الجدد والكائنات"الغريبة"التي يتذرعون بها لتفضيل الصبر، على الحرية والرغيف.