الكتاب المخطوط هو مخزن المعارف وسِجِلّ التجارب والخبرات في الحضارات الراقية. وقد لاقى الكتاب المخطوط عناية فائقة معلومة في الحضارة العربية الإسلامية، ففيه دونت علوم المسلمين ومعارفهم وآدابهم. وتعدت هذه العناية إلى جانب ما حوته المخطوطات من العلوم، إلى المخطوط ذاته"صناعةً وكتابةً وحفظاً، فتفنن المسلمون في فنون صناعة الورق والحبر والتجليد، وأدوات الكتابة والتزيين والتذهيب، وأساليب الحفظ، من صناديق ومكتبات وغيرها. إن الأدوات والآلات التي صنعت حامل العلم المخطوط ودوَّنَت فيه الفكر والمعرفة، لآثارٌ تشهد على العصور الذي تكلمت فيه العلوم بالعربية، والتي تدين بها حضارة النهضة الغربية للحضارة العربية الإسلامية. وها هي هذه الأدوات والآلات مقتنيات متحفية، ونماذج وصور، يتم حفظها وإبرازها وعرضها. إنها شهادات على ما توصلت إليه الفنون، وعلى عبقرية الحرفيين، وتقدُّم العلوم العربية الإسلامية، وهي بالنسبة للباحث والمؤرِّخ أدوات للاستذكار، وهي للزائر دعوة لاكتشاف تراث عظيم لأمة كريمة رائدة، تملك -إن أردت- السيادة. "صناعة المخطوط الإسلامي: الآلات والأدوات"، تظاهرة علمية تتناول رحلة المخطوط من الصناعة إلى الحفظ مروراً بالكتابة، وتُركِّز على الآلات والأدوات التي استخدمت في الصناعة الورق، الحبر والتجليد والنِّساخة والحفظ. وقد أُقيمت في مركز عُمان الدولي للمعارض، بالعاصمة العُمانية مسقط في الفترة من10 الى 16 تشرين الثاني نوفمبر 2012، بإشراف وتنسيق محمود زكي معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، ومشاركة السعيد بنموسى المكتبة الوطنية المغربية، ومحمد حسن إسماعيل مكتبة الإسكندرية، كما ساهم في المعرض د. أحمد عبد الباسط دار الكتب المصرية، وعلاء الدين محمود متحف الفن الإسلامي بالقاهرة. وذلك تحت رعاية وتنظيم"هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية"، كمشاركة دولية ضمن"المعرض الوثائقي الثالث"، برئاسة د. حمد بن محمد الضوياني، ومباشرة سعود بن حارب البوسعيدي ومتابعته. وتضمنت التظاهرة معرضاً متحفياً علمياً حول أدوات المخطوط الإسلامي صناعًة وكتابةً وحفظًا، قدَّم لجمهوره نوادر من الآلات والأدوات التقليدية التي وصلت إلينا، مع نماذج حديثة محاكية، إضافة إلى مجموعة متميزة من المستنسخات الرقمية لأشهر المعروضات الأثرية والفنية في متاحف العالم ومكتباتها. ولاقى المعرض إقبالاً كبيراً من العُمانيين، وخاصة طلبة المدارس والجامعات، التي نظّمت جهاتهم رحلات متتابعة عكست اهتماماً مؤسسياً وشخصياً بالتراث والتاريخ الحضاري، كما شهد المعرض زيارات لمختلف المهتمين من الجنسيات العربية والأجنبية. وعلى الصعيد الرسمي زار جناح المعرض، ضمن افتتاحه المعرض الوثائقي، الأمين العام لمجلس الوزراء العُماني الشيخ الفضل بن محمد الحارثي، ومسؤولون من وزارات التراث والثقافة والأوقاف، وجامعة السلطان قابوس، وغيرها من الجهات المعنية، إلى جانب سفراء ومستشارين ثقافيين دول مثل تركيا وإيران. وإلى جانب المعرض، تقام فعاليات أخرى منها: محاضرتان ضمن ندوة"الذاكرة المكتوبة والمروية في تاريخ الأمة"، الأولى لمحمود زكي بعنوان"أدوات المخطوط الإسلامي: صناعةً وكتابًة وحفظًا"، والثانية للسعيد بنموسى بعنوان"تاريخ صناعة تسفير المخطوط وتذهيبه بالمغرب والأندلس". كما أقيمت"حلقات عمل تطبيقية حول أساسيات تجليد المخطوطات في العصور الإسلامية"، و"حفل توقيع كتب متخصصة في علم المخطوطات والتجليد"للسعيد بنموسى ومحمود زكي. كما شهدت التظاهرة إعلان تدشين مجموعتي عمل بحثية حول"صناعة المخطوط في الحضارة الإسلامية"تُعنى بتوثيق تراث الحضارة الإسلامية ومنجزاتها في مجال صناعة المخطوط بمختلف مظاهرها الورق، الحبر، التجليد...، ومجموعة"الآلات والأدوات في الحضارة الإسلامية"في مختلف الصِّناعات والحرف والمهن الطب، الفلك، العمارة، النجارة، الفنون...، ومحورهما البحثي المشترك الأول"صناعة المخطوط الإسلامي: الآلات والأدوات". يُعدّ هذا المعرض التمهيدي باكورة أعمال مجموعتي العمل، وينوى أن يتبعه مجموعة معارض عالمية، تنتقل بين العواصم العربية والإسلامية والعالمية، وتشترك فيها المؤسسات المعنية والمجموعات التي تقتني الآلات والأدوات، وهذه دعوة للمتاحف والمكتبات للتعاون والمشاركة بما لديها من تُحف أصلية أو مستنسخات عنها، واستضافة المعارض والفعاليات، ونشر الوعي بالتراث الإنساني المشترك. كما تسعى مجموعتا العمل إلى إيجاد مؤسسات ذات إضافة نوعية، ترعى المشروع وتدعمه مادياً وأدبياً، وأيضاً مهتمين بصفتهم الشخصية، وكذلك دعم فريق العمل بضم المتخصصين من مختلف تخصصات علم المخطوطات، والآثار والفنون، والمكتبات، والتاريخ والحضارة. ويؤمل أن يصحب معارض مقبلة دليل مصور كاتالوغ ودراسة علمية باللغتين العربية والإنكليزية، ويجري التفكير حاليًا في إعداد دليل خاص بأدوات المخطوط في عُمان، كجزء من أدوات المخطوط الإسلامي ذي الطابع المحلي الخاص. هذا إلى جانب موقع إلكتروني موثق، لا يكتفي بالنماذج المختارة المعروضة وإنما يتطور ليصبح مرجعاً علمياً إلكترونياً لتوثيق كل ما وصلنا من أدوات المخطوط الإسلامي. وتهدف مجموعتا العمل من هذه النشاطات إلى إبراز جانب مهم من جوانب الحضارة العربية الإسلامية، هو جانب صناعة المخطوط وفنونه، وبثّ الوعي التاريخي الحضاري، وتثقيف المهمتين وتعريف النشء بدقائق الصناعة والأدوات المستخدمة فيه، كما تهدف أيضًا إلى التوثيق العلمي والفني للأدوات والآلات.