" قال لها إن فارق الحجم بين رأسه ورأس جده المرحوم فارق كبير جداً، وإن النظارة الطبية التي تصلح لشخص لا تصلح لآخر، يضاف إلى هذا كله سمك الإطار، فهو وحده قصة رعب... فشل في إقناعها، لقد تلاشت قدرتها على السمع، وصارت الأحاديث معها تتخذ مسارات غريبة، اثنان يتجاذبان أطراف حديث لا أطراف له... انتبه اللقلق، وقد شده هزال يدها، إلى أنها بحاجة لأن تعطي أي شيء، فما لا يعني له شيئاً يبدو وكأنه عالمها، ثم إن الفكرة لا بأس بها: أن تأخذ نظارة جدك الميت، وبخاصة إذا كنت الحفيد البكر لابنه البكر، وقد منحك ما عجز عن منحه حتى لأبنائه... أسعدها أنه أخذ النظارة... وانتبه يومها أن الدرجات الحجرية الواصلة بين قاع البيت والمصطبة ملساء جداً بسبب الاستعمال طويل الأمد، وأنها ربما تتزحلق في أي وقت ولا تجد من يساعدها... أحضر من قاع البيت مطرقة خاصة بنقش الحجر من صندوق عدّة، ودق الدرجات برقة حتى اكتسبت ملمساً خشناً". هذا ما اختاره الروائي الفلسطيني الشاب أكرم مسلم من بين فصول روايته الجديدة"التبس الأمر على اللقلق"، للتعريف فيها على الوجه الخلفي للرواية، الصادرة حديثاً عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان، وبدعم من الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق، وبدأ توزيعها في الأراضي الفلسطينية، أخيراً. وتأتي رواية"التبس الأمر على اللقلق"، بعد رواية"هواجس الإسكندر"، وصدرت عن مركز أوغاريت العام 2003، ورواية"سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً"، وفازت بجائزة الكاتب الشاب كأفضل رواية عن مؤسسة عبد المحسن القطان، ونشرت عن دار الآداب في بيروت العام 2008، وصدرت بالفرنسية عن دار"آكت سود"العام 2010، وبالإيطالية عن دار"السيرينتيه"العام 2011. وكان مسلم شارك في ورشة للكتابة نظمتها جائزة البوكر العربية في أبو ظبي، العام 2010، وأنجز في إطارها جزءاً من"التبس الأمر على اللقلق"، والتي تضيف بعداً جديداً لمسيرته الروائية، والتي وجد فيها بعض النقاد أنها تؤسس لرؤية ومرحلة جديدة في الرواية الفلسطينية، بل إن بعضهم وصف مسلم بواحد من رواد الرواية الفلسطينية الحديثة. وبعدما حفر مسلم عميقاً في التشابكات والاشتباكات الإنسانية، والسياسية و الجغرافية مع الآخر، في"سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً"، نراه في"التبس الأمر على اللقلق"، وهو يتتبع سر الحصى، وسر الجد، وسره الشخصي الملتبس، يبحر بعيداً في اشتباكات الذاكرة والتاريخ والهوية، والجغرافيا أيضاً، عبر"النظارة العجيبة"والمتوارثة، فاللقلق لم يقل"لن أعيش في جلباب أبي"، بل ارتدى نظارة الجد، رغم المقاومة، وفق ذرائع متنوعة، ليتنقل بخفة الطير المتخيل ما بين التباساته والتباسات شعب وواقع وحكايات فلسطينية متشابكة. وبرزت المشهدية السينمائية في"التبس الأمر على اللقلق"، بشكل واضح عما كانت عليه في الروايتين السابقتين، مع أنها لم تغب عنهما، وبخاصة"سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً"، التي بدت وكأنها فيلم روائي طويل، مع أن الفرق أن سينمائية"اللقلق"مهرجانية وشعبية إلى حد ما، في حين كانت سينمائية"العقرب"مهرجانية ونخبوية. وعن الرواية، قال الكاتب والمترجم البريطاني بيتر كلارك:"الروائي الفلسطيني أكرم مسلم، وفي روايته"التبس الأمر على اللقلق"، يقارب مأزق الهوية الفلسطينية المركبة والمحاصرة في ظل الاحتلال. وأضاف كلارك، الحاصل على وسام الإمبراطورية البريطانية: فعل مسلم ذلك عبر اختيار تفصيلة بسيطة كنقطة انطلاق له، وهي نظارة تسلمها الجدة إلى حفيدها، ومن هذه التفصيلة يتشعب"الحكي"، لنجد أنفسنا نعاين بعضاً من التباسات الواقع الفلسطيني المعقد". وبدوره يقول الروائي أكرم مسلم:"اللقلق ببساطة بطل الرواية، لكنه بطل غير تقليدي، ينسج بطولته من خيوط غير بطولية.. حياة اللقلق مثل اسمه المكون من شقين متطابقين: لق لق، محكومة إلى سلسلة من الانقسامات والحدود المتناسلة، على عدة مستويات، يتداخل فيها التاريخي بالاجتماعي بالسياسي".