في مخيم"الزعتري"للاجئين السوريين، شمال شرقي الأردن، وقف جمع كبير في طوابير منظمة للحصول على بعض مستلزمات العيد ملابس جديدة وبطانيات وصرر صغيرة من الحلوى ولحوم الأضاحي والألعاب، قدمتها مؤسسات إغاثية لعشرات آلاف اللاجئين وأطفالهم، الذين أثقل عيدهم بالأحزان وذكريات الموت، فراح ضحيتها آلاف السوريين. "الحياة"زارت"الزعتري"والتقت عشرات اللاجئين، كما رصدت حكايات ملبدة ب"ليل الشام الثقيل"لعائلات لم تشعر بطعم البهجة في العيد، وتغلبت الدموع على ابتساماتها، بحسب الحاج رامي الحمصي 50 سنة الذي كتبت له النجاة من المذابح المنتشرة في طول الأراضي السورية وعرضها، وفر إلى الأردن الشهر الماضي. وفي أحد طوابير العيد وقفت سلمى الشرع 30 سنة تحاول بلا جدوى إقناع سيدة كانت تقف إلى جوارها وعلامات الخوف بادية على قسمات وجهها الشاحب، بأن"الهدنة"المفترضة بين الجيشين النظامي والحر قد تمنع الموت عن أفراد عائلتها المحاصرين في مدينة درعا. وبصوت تخنقه العبرات، قالت الشرع ل"الحياة":"حاولت التخفيف عنها وتصبيرها لكن من دون جدوى". وأضافت مشيرة إلى السيدة:"جاءت إلى هنا بمفردها منذ 3 أسابيع بعد أن فقدت زوجها وطفليها، ولغاية هذه اللحظة لا تعلم شيئاً عن مصير إخوتها المحاصرين في منطقة درعا البلد". ورغم هروبه من الموت في بلده سورية، ودع أحد لاجئي"الزعتري"طفلته الصغيرة قبيل عيد الأضحى بأيام من دون أن تعرف أسباب الوفاة، وهي حادثة جعلت مأساة الموت تنتقل مع اللاجئين من بلدهم إلى المخيم الصحراوي القريب من الحدود الأردنية السورية. وعلى غرار العديد من السوريين المقيمين في"الزعتري"، لم تحتفل عريب 31 سنة بعيد الأضحى، موضحة أن الهاجس الوحيد الذي يتملكها هو"البقاء على قيد الحياة"، إلى حين"انتصار الثورة والقصاص من الرئيس بشار الأسد". وعلى مدخل خيمة قطّعت الرياح العاتية بعض أوتادها المغروسة في الرمال، وقفت تالة 20 سنة تتحدث بصوت يعلوه الحزن والخوف على مصير بلدها وأبناء شعبها، قائلة:"في سورية لا ترى إلا مشاهد الموت والدمار ولا تسمع إلا صوت القصف والمدافع". ورغم الحزن والبكاء الذي لف وجوه كبار تذكروا في يوم العيد قتلاهم وجرحاهم وبيوتاً تهدمت، حاولت جمعية"الكتاب والسنة"الأردنية بالتعاون مع جمعيات وهيئات أخرى مسح شيء من الحزن عن وجوه هؤلاء، فوزعت عليهم آلاف الدنانير ك"عيديات"، كما وزعت الحلوى والألعاب على أطفال المخيم، الذين انشغلوا باللهو واللعب بعيداً من الحزن والبكاء. لكن الأحداث في سورية لم تغب عن بعض هؤلاء الأطفال، إذ كان لافتاً لهوهم ببنادق بلاستيكية وقيامهم بتمثيل مشاهد قتل ودمار باتت تتكرر في وطنهم، فيما أخذ بعضهم دور الجيش النظامي الذي يطلق الرصاص على المتظاهرين، وآخرون مثلوا دور الجيش السوري الحر. إلى ذلك، اجتاز نحو 1400 لاجئ سوري السياج الحدودي الفاصل بين الأردن وسورية خلال اليومين الماضيين، وتم نقلهم جميعاً إلى مخيم الزعتري، وفق مصدر أمني تحدثت إليه"الحياة". ويرى الكثير من سكان مخيم"الزعتري"الذي افتتح قبل أشهر عدة في عمق الصحراء الأردنية، أنه بات عنواناً لمظاهر القسوة والتشرد التي تلاحق الفارين من الجحيم السوري. ويشكو هؤلاء من ضعف التزود بالماء الصالح للشرب، ونقص وجبات الطعام خصوصاً تلك المقدمة للأطفال، إضافة إلى عدم توصيل التيار الكهربائي وندرة الحمامات. وكان رئيس"الهيئة الخيرية الهاشمية"الرسمية أيمن المفلح، اعترف في وقت سابق بصعوبة الأوضاع في المخيم نتيجة الأتربة والغبار والحرارة العالية. وأبلغ"الحياة"بأن"الجميع يتحدث عن اللاجئين، لكن مساعدتهم شيء مختلف... نحن نحتاج إلى المال". وناشدت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة المجتمع الدولي أمس، بضرورة مساعدة الأردن الذي"سخر موارده الشحيحة أصلاً لاستقبال اللاجئين السوريين"، خصوصاً أنه يستقبل منذ بداية الانتفاضة السورية نحو 215 ألف لاجئ. ويقيم اللاجئون السوريون في مدينة الرمثا الحدودية ومخيم الزعتري في مدينة المفرق، فيما يتوزع الآلاف منهم على محافظات المملكة المختلفة لدى أقاربهم، وفي المساكن التابعة للجمعيات الخيرية المحلية.