كأنها خرجت للتو من إحدى لوحات ماتيس أو بيكاسو، وعادت إلى أفريقيا ملهمة الرسامين الطليعيين. كان بودّها، وقد فكّ أسرها، أن تعود إلى ذلك المكان الذي نقلته ريشة رسّام انطباعي أو تكعيبي، بشيء من الخيانة للمعالم. فالألوان في اللوحة أكثر حدّة منها في الواقع. ولا تتغيّر على مدار الفصول. والأصوات مخنوقة. لا حسّ ولا أنس. إذاً، أصاب هذه المرأة ضجر بالغ، ففرت من اللوحة بعد مضي عقود على أسرها. فرّت إلى أصل اللوحة، أصل الصورة، حيث تتغيّر الألوان والفصول، وتغرّد العصافير، ويتحادث الناس... ويصرخون هلعاً من دنو المجزرة وأزيز الرصاص وهدير المدافع... ويركضون كالغزلان الفزعة... فراحت تجري خلفهم وتسألهم عن كوخها الذي افتتن به ماتيس وبيكاسو وغيرهما، ففرشاه على قماشة بيضاء على عجل، مع الأولاد والصديقات والألوان والفواكه والخضار... ويبدو أنهما تعثّرا في طريق العودة، فاختلطت مكوّنات اللوحة... وولدت الانطباعية والتكعيبية وغيرهما من فنون الرسم والتصوير والتلوين... التفتت عجوز إليها وقالت لها ساخرة: "كفاكِ ثرثرة يا مجنونة! عودي إلى اللوحة المسطحة، فهي أقضل بكثير من الموت المجسّم". وها هي في (الصورة) تحمل بقايا رماد الأمكنة، تحاول عبثاً أن تعود إلى التسطيح. ___________ لإرسال صورة وتعليق: [email protected]