لعل نجوم ليالي رمضان في شفشاون هم أطفال المدينة النائمة في سكون تام بين جبال الريف الوعرة والبحر المتوسط في أقصى الشمال المغربي. تتحرك ليالي المدينة الهادئة طيلة هذا الشهر على هواهم، على إيقاعهم وبحركاتهم وضحكاتهم ولعبهم. يلعبون ويتعلمون ويتنافسون في أنواع رياضية متنوعة، ذهنية وبدنية، شطرنج وكرة طائرة وكرة سلة وكرة قدم وسباقات عدو وركوب دراجات هوائية. يتعلمون كذلك مبادئ التمثيل المسرحي، ويتفرجون على عروض بهلوانية محلية وأجنبية، وعروض مسرحية كوميدية وتوعوية من إنتاج جمعيات محلية فنية وثقافية، ويستفيدون من دروس في الخط العربي، وفي التشكيل والرسم وتجويد القرآن الكريم، كما يستمتعون بموسيقى خاصة بهم. مرت ليالي الثلث الأول من رمضان بطعم رياضي بارز اشتدت معه المنافسة. ولامس هذا المنطلق في البرمجة الطاقة المخزّنة لدى الأطفال وعوّض حرمانهم من مناسبات وأماكن لتفريغها في المدينة التي تتسلق الجبل. وبدا أن النشاطات الرياضية والمنافسات المضمرة تجتذب أطفالاً أكثر مما كان متوقعاً، وتحفزهم على الانخراط في نشاطات جديدة عليهم، مثل ورشة لصناعة حقائب الجيب نظمت في الليلة الثامنة في الساحة الكبرى للمدينة، أعقبتها ورشة للتدوير واختيار أحسن حقيبة جيب. وينتظر الأطفال بشغف وتشويق حلول نشاط خاص بليلة السابع والعشرين للاحتفال بالصائمين منهم للمرة الأولى. إنهم معتادون على ذلك في مواسم رمضانية من سنوات سابقة. لكن الأمر سيكون مختلفاً هذه المرة في أجواء مهرجانهم الأول. لن تعبّر الأسر وحدها عن فخرها بشجاعتهم وقوة تحملهم لاقتحام عالم الصيام لدى البالغين، بل كل المدينة بسلطاتها المحلية، وستكون تجربة مختلفة بالتأكيد. ولا تزال الأسر المغربية، في شتى المناطق، تحافظ على عادات وطقوس الاحتفال بالصوم الأول لأطفالها. ولم يستأصل زحف نمط العيش العصري على المدن الكبرى، لا سيما الرباط والدار البيضاء، هذه العادة الراسخة في المجتمع المغربي. وتتميز ليلة القدر باعتلاء الصغار عروش العرائس وصهوات الخيول، باللباس التقليدي المغربي والزينة الكاملة والموسيقى الأندلسية والصوفية، ثم يخرجون للتجول ليلاً في الشوارع. ومن لا يتوافر له عرش أو خيل، يعتلي سلالم خشبية أو حديدية في المنزل، وتقدم له، وهو على"عرشه"ذاك، حبّات تمر مع الحليب وتتكلل الأجواء بالزغاريد والموسيقى. صغار شفشاون استحوذوا على ليالي مدينتهم بالكامل، في أول مهرجان لهم انطلق في اليوم الرابع من رمضان، ويستمر إلى 28 منه. لا ضرر في احتلالهم الفضاء العام ولا انزعاج من صخبهم وشغبهم، ف"شفشاون تحب أطفالها"، وفق شعار المهرجان الذي تنظمه السلطات المحلية في سياق انضمام شفشاون إلى المبادرة الدولية"مدن صديقة للأطفال"التي أطلقتها"يونيسيف"في إطار الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل. وفي أفق منظور ربما، ستبرهن مدينة شفشاون عن حبها لأطفالها في شكل مختلف. إذ ستمكّنهم من مجلس بلدي للطفولة، كما تفيد دعوة وجهتها السلطات أخيراً إلى أطفال شفشاون وشبابها للمشاركة في ملتقى ترفيهي يتخذ شكل ورشة عمل هي بمثابة خطوة أولى نحو إحداث هذا المجلس. وثمة تفكير مستمر في واقع الطفولة ومستقبلها في المدينة التي لا يجد فيها الأطفال بنية تحتية مجهزة للعب والترفيه والتعلم. واستحدثت بلدية المدينة، قبل بضعة شهور، لجنة تقنية مهمتها وضع مسودة حول"مخطط بلدي للطفولة"، كما ينتظر المهتمون والمعنيون بشؤون الطفل تنظيم مؤتمر حول الطفولة خلال الشهور المقبلة. وانضم المغرب إلى مبادرة"مدن صديقة للأطفال"الأممية في تشرين الثاني نوفمير 2009، بخمس مدن نموذجية، تمهيداً لإجراء جملة من الإصلاحات في مجال الطفولة ترتبط أساساً بملاءمة التشريعات الوطنية مع مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ووضعه خطة وطنية للطفل صودق عليها عام 2006.