هن جمع في صيغة المفرد، اسم علم بتاء التأنيث، رشقن بابداعاتهن أولى حبات الفيروز في تاج الموسيقى التونسية الحديثة، وأضفن اليها من بلسم أناملهن عطراً نسائياً. انهن أمينة الصرارفي واسمهان الشعري وسميرة الصغير... العازفات التونسيات وأولى مايستروات الفرق النسائية والبجعات المدللات في أفريقيا. ربما بدا ذلك مفارقاً، ولكن الهزيع ما قبل الأخير من ليالي رمضان في تونس، كان وما زال للاحتفال بالموسيقى التراثية متعة الروح وطرب الآذان. دارت الأيام واقتحمت الحداثة ثنايا المدينة، ولكن مهجة التوانسة بقيت معلقة في المدينة العتيقة في شهر رمضان من جامع الزيتونة المعمور، الى فضاء دار الاصرم، دار الطرب والغناء والمقر الرئيس لمهرجان المدينة النسوي الذي يحتفل هذا العام بميلاده العشرين. وفي رحاب هذه الدار اكتشف التوانسة، الخطوات الأولى لمطربهم لطفي بوشناق والعازف أنور ابراهيم وبدايات نبيهة كراولي وميلاد العازفة أمينة الصرارفي. ربما هي الصدفة، ولكنهن اجتمعن في الاسماء نفسها، وطافت بهن ليالي رمضان الى عالم الشهرة. غادرت أمينة فاخت ضيق المحلية لتشدو في الآفاق عن طير الحمام المجروح وانتقلت أمينة التونسية الى الضفاف الشمالية وصارت تعرف قسراً ب Amina وجمعت بين سحر الشرق وعالمه الراقص وألحان الغرب وايقاعه الشبابي السريع... أما ثالثتهن أمينة الصرارفي فقد اختارت التقدّم خطوة خطوة محافظة على تراث الآباء ووفية للنغمة التونسية الأصيلة. والتفرد بالعزف على آلة الكمان و"المايسترو رتم" لأول فرقة موسيقية تونسية خالصة تدعى "العازفات". لا شك في ان الدكتور صالح المهدي يعد الأب الشرعي للفنون في تونس من حيث الأداء والتدريس الأكاديمي. ويقول ان القرن ال18 في تونس شهد بروز أول فرقة موسيقية نسائية، إذ كانت الطريقة التيجانية في إنشادها الصوتي تجمع الى الرجال أربع نساء ينشدن الذكر والسباحة في ملكوت المقدس. ولكن أمينة الصرارفي واسمهان الشعري وسميرة الصغير ارتفعن في العزف النسائي من عالم الانشاد الروحي وفرحة الاعراس الى دنيا الفرحة الشعبية وجغرافيا المدن، العواصم الموسيقية من القاهرة الى بيروت مروراً بموسكو وفيينا. في مهرجان المدينة الرمضاني عام 1991، رسمت أمينة أول حبة فيروز في تاج التربع على عرش الموسيقى التونسية. ربما بدا الاجماع النسائي في تألق احداهن، أحدى عجائب الدنيا ما بعد السابعة، ولكن عازفات تونس يعترفن لأمينة بفضائل التأسيس الجديد، والأهم من ذلك محافظتها على تراث الأب والاعتراف له بالجميل. يعد قدرو الصرارفي أحد اعلام الموسيقى التونسية الحديثة، ويكفي انه كان قائد الفرقة الخضراء وكذلك لفرقة الاذاعة والتلفزيون وللمدرسة العريقة "الراشدية" لسنين عدة. نشأت أمينة في رحاب الموسيقى وحفظت عن والدها اضافة الى العلم، ومزايا الالتزام واحترام الآذان والصدقية أمام الجمهور. دخلت المعهد العالي للموسيقى من شارع جارين في العاصمة التونسية، حيث اسم عدد الشابات الدارسات للموسيقى والعزف يقارب أو يفوق عدد الشباب الذكور وتوّجت دراستها بديبلوم الموسيقى العربية كأول امرأة تونسية تتوّج عام 1979 واختصت بآلة الكمان. لم تشتر كماناً جديداً بعد، فما زالت تعزف على كمان والدها وكأنها تشتم منها رائحته وارتعاشة أنامل اصبعه... انتقلت الى الأوركسترا السمفونية التونسية وانفتحت على رياح الغرب واتجاهاته واختيرت أفضل عازفة. صار للصبية جناحان، فانفصلت عن عالم الرجال والآباء، لتأسس معهداً أهلياً لتعليم الموسيقى ثم أول فرقة نسائية "العازفات" اللواتي غنين لرواد الموسيقى المحلية سيدي علي الرياحي ومحمد الموسى والأب قدور. جابت مع زميلاتها في الفرقة مدائن الشرق والغرب وتوشحت بأرفع الأوسمة. لم تعرف اسمهان الشعري الطريق الى المدارس ومعاهد الموسيقى. ولكنها بدأت مشوارها الفني في مدرسة الرقص العصري بمدينتها صفاقس... قبل ان تصبح اليوم رئيسة للاتحاد الوطني للرقص الرياضي والفني. ولكنها إرتبطت بصورتها كأول امرأة تونسية عازفة على آلة الكونترباص. تعلّمت العزف على الأكورديون على يد الاستاذ علي الحشيشة والبيانو مع الروسي شيكوسينوف والدربة على آلة الرباب مع شيخ الموسيقيين الدكتور صالح المهدي. يمكنك ان تستمتع بأحلى الأكلات التونسية صيفاً على حافة مسبح فندق أبو نواس وشتاء في مطعم دار الجلد الفاخر وتصبح المتعة مضاعفة مع أنغام السيدة اسمهان، واذا حلا لك ان تشاهد آخر ايقاعات الرقص الشبابي وصرعات موسيقى التكنو، فخلف ستار الكواليس ستلوح لك قامتها اليافعة وجسمها الممتلئ، وغداً وفي آفاق عام 2004، ستكتشف وراء عالم ألف ليلة وليلة أنامل اسمهان عندما تفتح مدينة العجائب التونسية "المدينة" في الياسمين الحمامات. وما بين فندق أبي نواس وليالي الانس في رمضان، ارهف السمع ل16 شابة وسيدة ينشدن أحلى الأنغام الشرقيةوالتونسية، انهن فرقة تانيت والمايسترو اسمهان الشعري هي أقلهن بروزاً في عالم الأضواء والشهرة، ولكنها أكثرهن علماً وحرفية. بدأت سميرة الصغير رحلتها مع البيانو في سن ال7 سنوات، قبل ان تتوج كأفضل عازفة لهذه الآلة في ربيعها السادس والعشرين. اعتبرها الدكتور صالح المهدي مع صاحبتها أمينة أفضل عازفات تونس. صقلت موهبتها في ألمانيا وفيلادلفيا الأميركية، لكنها حافظت في فرقتها "تقاسيم" على روح المألوف التونسي وأعذب الموشحات والأدوار. وقفت مع بناتها ال18 في أوبرا القاهرة ومدن حلب وباريس، لكنها تعتقد بأنها ما زالت في بداية الطريق، تواضعاً وحشمة، انهن عازفات تونس اللواتي أثثن لياليها الجميلة في رمضان وما بعده...