بيان المنتجين السوريين ضد من وقعوا على"نداء الحليب لأطفال درعا"، والذين قرروا فيه مقاطعة الفنانين الموقعين على النداء وعدم تشغيلهم، ظاهرة خطيرة جداً وغريبة على صناعتنا الدرامية. وهو يؤسس للتدخل في آراء العاملين في كل المجالات، وتهديدهم بلقمة عيشهم. وإذا قامت بمثل هذه الخطوة مؤسسات أخرى في القطاعين العام والخاص، فإننا نسير نحو الانغلاق وليس الإصلاح. فحتى لو اعتبر بعضهم أن النداء استغلته"جهات مغرضة"كما يقولون، لكنّه انطلق من حس إنساني عُرف به السوريون وبخاصة المبدعين منهم. وهو يدعو لاحترام هؤلاء لخشيتهم على أطفال لا ذنب لهم سوى أنهم وقعوا في مناطق اشتباك. وهذا لا يعطي الجهات التي افترض أنها"مغرضة"أية إمكانية لاستغلال هذا النداء. على العكس هو يبين أن السوريين حتى في أحلك الظروف حريصون على بعضهم بعضاً، ولا يريدون أن يتأذى الأطفال بسبب وضع شاذ وُجدوا فيه. وقد حرص موقعو النداء على الطلب من جهات رسمية هي وزارة الصحة والهلال الأحمر السوري أن تهتم بإيصال المساعدات اللازمة لهؤلاء الأطفال. وإذا افترضنا أن الموقعين لم يدققوا في معلوماتهم، فحل الأمر كان يمكن أن يتم ببساطة بتصريح من وزارة الصحة يبين أنها مهتمة بهذا الأمر، وأن الأطفال في درعا يصلهم كل شيء: لا تقلقوا! لكن الموضوع تحوّل إلى منحىً خطير، وراح ينفخ فيه عدد من الفنانين الذين سبق لهم أن خوّنوا، في بداية الأحداث، مجموعة من نجوم الفن السوري، بسبب بيان يدعو إلى تنفيذ رزمة إصلاحات أقرّ الجميع بمشروعيتها. وقد سمح هؤلاء المخونون لأنفسهم بتوزيع صكوك الوطنية واعتبروا أن كل من يقول رأياً، ولو كان مخالفاً قليلاً، يعادي الوطن. إن هذه المواقف الغريبة أمر غير مقبول، بخاصة في صناعة تقوم على الإبداع واختلاف الآراء، والمفروض أنها تسبق الجميع إلى ديموقراطية الحوار. بصفتي من مؤسسي"لجنة صناعة السينما والتلفزيون في سورية"، التي قضيت فترة نائباً للرئيس فيها، وكوني من المساهمين في إرساء قوانين صناعتنا الدرامية، أقول:"إن تاريخ العمل الدرامي لم يشهد يوماً تشغيلاً على أساس المواقف السياسية والفكرية، وفي أعمالي أنا شخصياً هناك عدد من أبطال هذه الأعمال كنت وما زلت أختلف معهم سياسياً وفكرياً، لكننا قدمنا معاً أعمالاً يشهد الجميع بأنها أسست، مع الكثير من الأعمال السورية المهمة، لسمعة درامانا التي نعتز بها". اوقفوا بيانات التخوين، وابعدوا كل صناعاتنا، بخاصة صناعة الدراما السورية عن الاصطفافات، وبادروا الى تقبل الآخر، فهذا التقبل هو عتبة الإصلاح التي كان علينا أن نتخطاها منذ زمن طويل، لنقيم مجتمع التعددية والمساواة أمام قانون عادل.