قالوا وفي الدين بَوْن دون وحدتنا/ الى متى بِاسْم هذا الدين نقتسم لئن أصرّوا على أهواء أنفسهم/ لا الدين يبقى ولا الدنيا ولا الوطن الشعر السابق قاله خليل مردم بك، ولعل من رحمة ربنا بشعراء النهضة ومن تبعوهم، حتى سنوات وعيي السياسي في ستينات القرن الماضي وسبعيناته، أنهم ماتوا ولم يروا الكارثة التالية التي جعلتنا نفيق من أحلام الوحدة والتآخي بين طوائف الأمة وأعراقها على كابوس الواقع. شعراء النهضة كانوا من الطموح، أو المثالية، أنهم طلبوا وحدة العرب مع تركيا، وفؤاد الخطيب قال: ألسنا بحمد الله شعباً موحّدا/ فما بالنا لم نرضَ شملاً موحدا وعندما هاجم الأسطول الإيطالي الدولة العلية عبر مضيق الدردنيل، انتصر للعثمانيين فاضل سعيد عقل وقال: هو البيرق المنصور تحمى بنوده/ كنائس قومي، قومه، وجوامعه أما نقولا فياض فرحب بالدستور العثماني وقال: يا بني عثمان أنتم أمّة/ أصبحت موضع إعجاب الأممْ ومثله قيصر معلوف الذي قال: قد مددنا أكفّ الحب صادقة/ للترك والترك إخوان لنا نُجُبُ حزب الاتحاد والترقّي صدم الحالمين العرب بالطورانية التركية فانكفأوا عربياً، وعادوا الى حبهم الأول، أو الوحدة العربية، وقال أنيس المقدسي: أمة العرب اذكرينا/ واذكري ما فات كيف ننساك وفينا/ نفحة الحياة وكان رشيد خوري الشاعر القروي يبيع "الكشّة" في أميركا الجنوبية، وينظم شعر العروبة والوحدة، ويختار من القرآن الكريم كلمات يجعلها صدر أبياته أو عجزها، وهو قال في الوحدة: سلام على كفر يوحد بيننا/ وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم وكان رأي وديع عقل: العرب أهلٌ ولا تبلى أواصرهم/ على تباين أوطان وأديان وخاطب محبوب الخوري الشرتوني الأمير فيصل قائلاً: قالوا تحب العرب قلت أحبهم/ يقضي الجوار عليّ والأرحام قالوا الديانة قلت جيل زائل/ ويزول معْه حزازة وخصام ومحمد بطل البَرِيّة كلها/ هو للأعارب أجمعين إمام ومن حب العرب الى حب لغتهم، وحليم دموس قال في قصيدة أعتقد أن عنوانها "لغة الأجداد": لا تلمني في هواها/ أنا لا أهوى سواها وقال حافظ إبراهيم: أُمّ اللغات غداة الفخر أمّهما/ وإن سألت عن الآباء فالعرب ورأى شعراء النهضة الانقلابيين الأتراك يبيعون الأمة ديناً وتراثاً وشعوباً، ويختارون الحروف اللاتينية بدل العربية للغتهم ويلبسون البنطلون ويتطلعون غرباً، فاستبدلوا مصر بهم، وكانوا يقصدونها، ومضى زمن لا يُعتبر فيه الشاعر العربي أو المفكر، أو الكاتب، أو الصحافي، ناجحاً إلا إذا نجح في مصر، وتاريخ النهضة في مصر لا يمكن شرحه من دون عرض الدور البارز الذي لعبه "الشوام" فيه. الواقع ان المصريين لعبوا دوراً كان منتظراً من الدولة العلية قبل سقوطها، وحاربوا في البلقان دفاعاً عن الإسلام، وانتصروا للثوار في طرابلس ليبيا وقال أمين ناصر الدين: بَني مصر أنتم من بَني الشرق غرّة/ ومصر من الشرق القلادة في النحْر وقال شبلي الملاط: فإذا مشت مصر مشى في إثرها/ غسّان بالقرآن والإنجيل ورثى الأخطل الصغير سعد زغلول فقال: من مبلغ مصر عنا ما نكابده/ ان العروبة في ما بيننا ذمم ونظر عبدالرؤوف الأمين الى تقسيم الوطن العربي وقال: في ذمّة التاريخ ما فعل العدى/ في مصرِه وعراقهِ وشآمِه وأختصر الزمن الى ستينات القرن الماضي، وأنا طالب في الجامعة الأميركية في بيروت، والسبعينات عندما عدت اليها للماجستير، وكنت أزور القاهرة في كل فرصة متاحة، فمصر كانت حبي الأول قبل كل شعراء النهضة ولا تزال. كنت أزور جامعة القاهرة وأقارن مع أصدقاء فيها بين طالبات جامعتي وطالبات جامعتهم، أيام التنانير "الميني" والحرية الشخصية. لماذا أكتب هذا الكلام؟ أقسم للقارئ خصوصاً للشباب الذين جاؤوا بعدنا اننا لم نكن نعرف المسلم من المسيحي في تلك الأيام، والآن مطلوب منا أن نعرف السنّي من الشيعي وأن نفرق بينهما. يا ناس عيب. الدولة المسلمة راحت، وراحت معها أحلام الوحدة مع الأتراك ثم الوحدة العربية، والآن شعب البلد الواحد منقسم على نفسه بين سنّة وشيعة، حيث يوجد مسلمون من الطائفتين، والمسيحيون يهاجرون الى كندا. وقرأت أخيراً قصائد طائفية فارسية وعربية لم أقرأ عن إسرائيل مثلها حدّة. مهيار الديلمي قضى قبل كل شعراء النهضة ولم يرَ الكارثة المقبلة، وإنما ترك لنا شعراً جميلاً منه: قومي استولوا على الدهر فتى/ ومشوا فوق رؤوس الحقب وأبي كسرى علا إيوانه/ أين في الناس أبٌ مثل أبي قد قبست الدين من خير أب/ وقبست الدين من خير نبي وجمعت المجد من أطرافه/ سؤدد الفرس ودين العرب [email protected]