رأى الشاعر الإسلامي التركي محمد عاكف أرصوي ( 1873-1936) تمزق الدولة العثمانية على يد الامبرالية الغربية وشهد احتلال اسطنبول فما كان منه إلا أن اعتلى منابر المساجد يدعو الشعب التركي إلى مقاومة الاحتلال الفرنسي والبريطاني والإيطالي واليوناني، وتواصلت كتاباته التي تخص شعبه على الكفاح ضد قوات الاحتلال في مجلة “سبيل الرشاد” كان محمد عاكف أرصوي الشاعر والعضو والمؤسس في البرلمان الوطني التركي مثقفًا وطنيًا يناضل ضد الرجعية والتعصب والتخلف والخرافات، ويعطي الأولوية للمعرفة والتكنولوجيا وفي عام 1921 كتب الشاعر محمد عاكف أرصوي النشيد الوطني التركي، الذي اعتمده البرلمان التركي نشيدًا وطنيًا لتركيا بعد عزفه ثلاث مرات أمام أعضائه. كتاب “الشاعر محمد عاكف أرصوي” أعده الدكتور رمضان بلدرم وتتضمن مجموعة من المقالات التي كتبت حول الشاعر محمد عاكف للدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو والدكتور الصفصاني أحمد القطوري والدكتور عبدالوهاب عزام والدكتور رمضان بلدرم والدكتور عيسى يوجا آر والدكتورة أسمهان أقاي، ومحمد رويان صويدان. وفي مقاله “شاعر الإسلام محمد عاكف" يشير الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلو إلى الفترة التي أمضاها الشاعر محمد عاكف في الأراضي الحجازية وكتب خلالها أروع أشعاره الدينية وأكثرها حماسة والتي ضمنها ديوانه “من صحاري نجد إلى المدينة" وذلك بعد أن استمد من زيارته للأماكن المقدسة قبسًا من التنور المحمدي بثه في شعره. ويوضح الدكتور أوغلو أنه بالقوة الروحية التي اكتسبها عاكف من زيارته لقبر الرسول عليه الصلاة والسلام يعود إلى وطنه حيث كانت تدور رحى حرب الاستقلال الذي تتمثل فيه آراء عاكف في الحرية والحياة الكريمة. يضيف الدكتور أوغلو أن الشاعر عاكف الذي أفنى حياته في سبيل فكرة الوحدة أصيب بخيبة أمل كبيرة عندما رأى الخلافة الإسلامية تلقى مصراعيها على يد حكومة مصطفى كامل عام 1924 ثم ترك دياره قاصدًا مصر كغيره من رجال دولة الخلافة ومؤيديها أمثال شيخ الإسلام مصطفى صبري والشيخ زاهد الكوثري والشيخ محمد إحسان عبدالعزيز الذي التقى به عاكف في السفينة التي تقلهما إلى مصر وعندما حط عاكف رحاله في مصر عمل مدرسًا للغة التركية وأدابها في الجامعة المصرية في القاهرة وآثر الانزواء في دار بضاحية حلوان المتاخمة للعاصمة المصرية وعاش حياة الاعتكاف والوحدة ولم يكن يؤنسه إلا كتبه وبعض الأصفياء من أصدقائه. يؤكد الدكتور أوغلوا على التشابه الكبير بين الشاعر التركي محمد عاكف والشاعر الباكستاني محمد إقبال مشيرًا إلى أن كليهما عاشق للاسلام ووحدة المسلمين، الأمر الذي كان من الطبيعي أن يلقب كل منهما بشاعر الإسلام. يضيف الدكتور أوغلوا أن الشاعرين عاكف وإقبال يؤمنان إيمانًا راسخًا بالوحدة الإسلامية وينظران في دجعوة العنصرية والانفصال وأنه إذا كان إقبال يقول “إن العصيبان التي تدعوز إلى البغضاء ليس لها في إسلام وجود، فإن عاكف يؤكد كذلك على هذه الفكرة بقوله: " ألم يكن يجدر بنا الاعتصام بقومية الإسلام؟.. إن الأتراك لا يستطيعيون العيش بدون العرب وأن الترك هم ساعد العرب الأيمين فتكاتفوا وإلا فهو الخسران المبين وعندئذ لن يبقى في الأرض دين. قصيدة “من صحراء نجد إلى المدينة" كتبها الشاعر التركي محمد عاكف بين عامي 1916 و1917 وأودعها انطباعاته وانفعالاته إثر قيامه برحلة في جزيرة العرب فقضى فيها شهورًا عدة منتقلًا في البادية على ظهر الجمال يعاني من قيظ شمسها المحرقة ورمالها المحترقة لكن روحه كانت سعيدة بهذه الزيارة التي وقف فيها بمهبط الوحي ويمم وجهه شطر المدينة حيث كان الرسول -صلى الله عليه وسلم-. في رأي الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلوا أن قصيدة الغنائية حماسة لا تسمع فيها صلصلة سيوف أو قعقعة دروع ولا ترى فيها دماءً مراقة أو غبارًا مثارًا وانما ترى فيها أنين الشاعر الذي يرى بيارق الوحدة الإسلامية تنكس في بلاد الإسلام وترفع بدلًا منها رايات الأعداء تسمع فيها بكاء الشاعر الذي يؤمن بالإسلام دنيًا وأيدلوجية متكاملة الجوانب، فاذا به يرى المسلمين عاجزين عن أن يأتلفوا فينشروا كلمة الله في الأرض المقدسة بل وترى فيها ضراعة المؤمن المدرك لسوء مصير أمته وهو يدعو الله ويناشد الرسول نورًا يبدد الظلام الذي طبق آفاق الإسلام. وفي مقال “صفحة من صفحات التحديث الإسلامي" للدكتور الصفصافي أحمد القطوري. تتضح وجهة نظر الشاعر محمد عاكف من خلال تأكيده على ضرورة أن يتنبه كل مثقف في الأمة إلى أن خطوات التقدم تتغير وفقًا لعادات وتقاليد وأعراف أمته هذه، وأن السير وراء الأمم الأخرى وتقليدها الأعمى يمثل خطرًا داهمًا على كيانها ووجودها، وفيه الفناء لها، وأنه لا بد لكل أمة أن تحافظ على هويتها وتتخذ من ماهيتها الروحية مرشدًا لها في هذه المسيرة. ويشير الدكتور القطوري إلى اتخاذ الشاعر محمد عاكف من المجتمع الياباني المثال والنموذج، وعلى قوله: إنه في الوقت الذي أخذت اليابان عن الحضارة الغربية لم تفقد هويتها الثقافية والاجتماعية وأن اليابان عندما رغبت في أخذ علوم الغرب رفضت في الوقت نفسه كل عناصر الحضارة الغربية عديمة القيمة، مؤكدة لدول العالم أن اليبان دخلت إلى الحضارة بالعلم فقط دون الأخذ ببضائع الغرب التي تضر بالبناء الاجتماعي أو التي تزلزل الكيان الثقافي. ويقول الدكتور عبدالوهاب عزام عن محمد عاكف شاعر الإسلام كان محمد عاكف يحب في شعراء العرب ابن الفارض ومن الترك فضولي ومن الفرس سعدي ومن الفرنسسين لامارتين ويمكن أن يقال: إن شعره آثارًا من هؤلاء ظاهرة أو خافية، ولكن الذي لا ريب فيه أن عاكف قد رفع النظم التركي في أوزان العروض إلى درجة من السلالسة لم ينلها شاعر آخر وقد صارت اللغة التركية بقلمه أيسر لغات الشعر وأبلغها ويعد نشيد الاستقلال أبرع بيان لهذا اللسان النقي الذي ذلله قلم عاكف وإن لعاكف في تاريخ الأدب لمكانة خاصة”.