ليس الترف وحده ما يقف وراء إقامة أعياد ميلاد الأطفال في العراق، بل إن الموضة لعبت دوراً كبيراً في هذا المجال، لا سيما بين الأسر الفتية. فمن العيب أن يتنازل الأبوان عن إقامة حفلة مناسبة لطفلهما الأول، بل إنهما غالباً ما يواجهان اتهامات مباشرة من عمة الطفل وخالته وجدّته وباقي قائمة الأقارب، في حال اتخاذهما قرارا بعدم الاحتفال. وعلى رغم أن هذا الاحتفال يُعد من المقدسات لدى غالبية العائلات العراقية، فإنه غالباً ما يقام في منزل العائلة وبمشاركة أقارب وأصدقاء وجيران. حتى أن العائلات الغنية المعروفة ببذخها في مثل هذه المناسبات، تفضّل أن تقيمها في المنزل. ومن يختار منها المطاعم والأماكن العامة لإقامة هذه الحفلات، يريد أن يتميز عن الآخرين. ويبدو الآباء أشد تذمراً من كثرة المصاريف في هذه المناسبة. فهم لا يهتمون كثيراً بفخامة المكان أو نوع الحلوى التي تقدّم، أو أن يشترونها من المحلات الشهيرة في بغداد أو من بائع جوال، فالمهم إنجاز الأمور بأقل تكاليف ممكنة تريح جيوبهم المثقلة بالمسؤوليات. في المقابل، فإن الأمهات هن المتهمات الرئيسات بإنفاق نصف موازنة العائلة الشهرية على أعياد الميلاد. وعلى رغم أن الآباء لا يقلون كرماً عنهن في ما يتعلق بالهدايا المقدمة، تأخذ القضية منحى آخر حين تتعلق بمصاريف أخرى تنفق على الحلويات. وفي هذه الحال، يفضل الأب كعكة زوجته المصنوعة في فرن البيت على شراء قوالب جاهزة ارتفعت أسعارها أضعافاً في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بسبب إقبال العائلات وحرصها على هذه الاحتفالات. عيد الميلاد الأول للطفل في العراق مناسبة لا تنسى ولا تتكرر، لا سيما إذا كان المحتفى به هو بكر العائلة، فتنفق الأموال ببذخ ومن دون حساب. أما فرق الأطفال التي اشتهرت لسنين خلت بإحياء حفلات أعياد الميلاد في العراق، فبات عملها يقتصر على المتنزهات فضلاً عن تمرّكز بعضها قرب أسواق المرطبات لالتقاط الصور مع الأولاد القادمين مع ذويهم. الدكتور أسعد وائل اختصاصي علم الاجتماع والأسرة، أوضح ل «الحياة» أن إقبال العائلات العراقية على إقامة حفلات أعياد الميلاد لأطفالها ناتج من بحثها عن فرص ترفيه أسرية. وثمة عائلات عانت من قيود كثيرة فرضتها جماعات متشددة وصلت إلى تحريم إقامة اعياد الميلاد واضطرارها إلى الاحتفال بها سراً. ورأى وائل أن زوال الأسباب الأمنية نسبياً شجع العائلات على استرجاع تلك المناسبات بدرجة تصل إلى حدّ الإسراف والمبالغة، فضلاً عن أن أعياد الميلاد من أبرز المناسبات التي تجمع الأسرة الكبيرة وتلم شملها مجدداً. فالأسر العراقية تدعو كبارها أكثر من صغارها إلى تلك المناسبات، وفي أحيان كثيرة يقف الطفل بين أشقائه أو اثنين من أصدقائه لإطفاء الشموع فيما تجتمع الأسرة من حوله. ولا تقتصر إقامة أعياد الميلاد على الأسر الغنية أو المتوسطة الدخل وفق وائل، بل تنسحب على الأسر الفقيرة وحتى المعدمة التي يسكن بعضها تحت الجسور، إذ لا تفوت هذا الاحتفال خصوصاً لأطفالها في سنتهم الأولى، مكتفية ب «حواضر البت» وما يتبرع به الأقرباء. وسواء كانت أعياد الميلاد بسيطة ومتواضعة أم فخمة، لا تخفي الأسر العراقية تفاخرها بإقامتها لصغارها، وبعضها يجعل منها حكاية يومية تستمر أكثر من أسبوع يتحدث عن تفاصليها الأقارب والأصدقاء.