تطالعنا الحكومة الإسرائيلية بفصل جديد يضاف إلى فصول خَلَتْ، فتقيم الدنيا ولا تقعدها في التهجم على دراسة بحثية للشاعر والكاتب الفلسطيني الدكتور المتوكل طه، حول أحقية العرب والمسلمين في حائط البراق، على رغم أنها دراسة تاريخية استندت إلى وثائق رسمية دولية ودراسات حاخامية يهودية معروفة، تؤكد الحقيقة نفسها التي توصلت لها دراسة طه، وهي عدم أحقية اليهود بهذا الحائط المقدس. والمؤسف أكثر أن حدود هذه الهجمة العنصرية لم تكن محصورة في رد الفعل والموقف الرسمي الإسرائيلي الذي شن هجوماً مدججاً على الدراسة واصفاً إياها بالغبية، بل كان مصحوباً بفَزعَة أو عُونة أميركية رسمية كانت جاهزة للعزف معهم سماعي ومن دون نوتة على الوتر نفسه المنتقص من حقنا في التعبير عن حقوقنا وتاريخنا ووجهة نظرنا. إن حائط البراق يشكل فعلياً جزءاً حيوياً مكوناً للمسجد الأقصى باعتباره الحائط الغربي للمسجد، آخذين في الاعتبار أن كل شيء وضع في ميزان التفاوض باستثناء الثوابت. يخطئ كل من يعتقد بأن ثمة فلسطينياً على وجه الأرض، يمكن أن يقتنع بأن الاتفاقيات المبرمة أو التي ستُبرم مع الجانب الإسرائيلي، عنت أو ستعني يوماً إقرار الفلسطيني بالرواية التاريخية الإسرائيلية أو إقرار الإسرائيليين بروايتنا الفلسطينية. وبالتالي أعتقد بأن أقصى ما يمكن قوله هو أن هذه الاتفاقيات ما هي إلا فسحة أمل للشعبين جاءت لوضع حد للحرب وبناء السلام، في لحظة صفا بين الروايتين، لتؤسس بجدية لإمكانية خلق التعايش المشترك وفق مصالح وقواسم مشتركة نشأت بيننا وبينهم في ظل الروايتين، وأي تكميم للأفواه لأي من الجانبين لا يمكن أن يلغي حقيقة تباين الرؤى التاريخية الداحضة. أي أن الأمر بات يتلخص في محاولة جادة من جانبنا كفلسطينيين وغير جادة ولا جاهزة من جانبهم كإسرائيليين، لبناء موطئ آمن مشترك للتعايش والاستقرار بين شعبين وروايتين، عسى أن نصنع وإياهم روايتنا الثالثة المشتركة. نعم، هذه هي الحقيقة لكن المسألة اليوم بيننا وبينهم مسألة حضارة وتقبل الحوار بين الأفكار والسياسات والحقائق التاريخية التي لا تُمحى ولا تغني وغير القابلة للدّحض، وليست مسألة حائط بُراق ولا باراك ولا شاباك. فهم يُسمِعوننا صباح مساء كل ما يصمّ الآذان ويجلب الكسوف، ويحبس الأنفاس ويقطع الآمال والأوصال. بينما نحن ما زلنا قابضين على صبرنا وخطابنا السياسي الملتزم بخيار السلام الاستراتيجي الذي يحاولون علناًَ تدميره تدميراً منهجياً تحت سمع وبصر العالم. إنها فوبيا هستيرية شاملة لا تستوطن إلا عقول العنصريين والمتطرفين وأعداء السلام. لكن مع كل هذا يجب أن نقول لجميع هؤلاء: نحن لا نزرع الشوك بل أنتم، ونحن المصممون أبداً على نثر بذور الأمل حتى بين الأشواك، فهذا كله لن يثنينا عن المضي قدماً في البحث عن السلام المتوازن والبناء بيننا وبينكم، وسنعلي صوتنا إلى السماء بأن الأماني ستبقى ممكنة. لكن دولة تخيفها دراسة أو أغنية أو رواية، عليها أن تعيد حساباتها. آصف قزموز - بريد الكتروني