يعتبر كثيرون من العاملين في القطاع المصرفي والمناصرين للمصارف التقليدية التجارية ان قطاع المصارف تعلم كثيراً من الأزمة المالية العالمية الأخيرة، وبات أكثر تحفظاً واستعداداً لمواجهة أي أزمات مالية قد تضرب العالم، في حين يعتبر مناصرو المصارف الإسلامية ان القطاع نجح في عبور الأزمة بأقل خسائر ممكنة، ما يثبت قوة الأسس المصرفية التي يقوم عليها، وسلامة أدائه البعيد من المخاطرة، والذي يضمن هوامش أمان أعلى من الأنظمة المصرفية التجارية. وبين هذا الحزب الاقتصادي وذاك، بات نمو القطاع المصرفي الإسلامي أمراً واقعاً لا يمكن إغفاله، وتنم توقعات المرحلة المقبلة عن إيجابية مطلقة، خصوصاً وسط التقارير وآخرها تقرير"إرنست أند يونغ"، الذي أشار إلى إمكانية ارتفاع قيمة الأصول المصرفية الإسلامية العالمية لدى المصارف التجارية إلى 1.1 تريليون دولار عام 2012، بزيادة 33 في المئة عن عام 2010، حين سجلت 826 بليون دولار. ويعزى ذلك إلى ارتفاع ثقة المتعاملين مع المصارف في سياسات المصارف الإسلامية، وتراجع الحواجز الفكرية والعقائدية التي كانت تمنع في وقت سابق الزبائن من التعامل مع المصارف الإسلامية، إلى جانب التوسع نحو مناطق جغرافية جديدة مثل نيجيريا وعُمان، وبعض الدول التي لم تعرف للصيرفة الإسلامية عنواناً قبلاً، ومنها بعض دول الربيع العربي، كتونس مثلاً، إلى جانب بعض الدول الأوروبية التي أقامت في الكثير من مصارفها التقليدية العريقة أخيراً أقساماً وبرامج خاصة بالمصارف الإسلامية. وثمة مزيد من الفرص في كثير من البلدان مثل باكستان وأندونيسيا وهما من الأسواق الكبرى التي تحتمل مزيداً من النمو للمصارف الإسلامية. ومع تركز 40 في المئة من أصول المصارف الإسلامية في منطقة الخليج العربي نظراً إلى الطبيعة الثقافية والدينية لهذه المنطقة، إلا ان الانتشار الممنهج لهذه المصارف في الكثير من أقطار العالم لم يكن وليد الصدفة، فيما نمت الخدمات المصرفية الإسلامية في شكل أسرع بمرتين من قطاع التمويل التقليدي، وفق تقرير ل"ستاندرد تشارترد"، هو دليل قاطع على تطور القطاع وتنظيمه وزيادة وعي المتعاملين بأصوله. وصاحب هذا النمو اللافت اهتمام يوازي اهتمامات وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة التي راحت تتتبع الأحداث والتغيرات في عالم المصارف التقليدية والإسلامية على حد سواء، وتبذل جهوداً اشمل، وتخصص مساحات اكبر في إعلامها الاقتصادي لتقريب فكرة العمل المصرفي الإسلامي إلى الجمهور بغض النظر عن موقعه الجغرافي أو دينه أو طبيعة الاستثمار التي يتطلع إليها، وتشرح مفاهيم المصارف الإسلامية وأسسها لتكون مدرسة اقتصادية شأنها شأن الأنظمة الاقتصادية الأخرى المنتشرة في العالم. ولأن كثيراً من الدول العربية وغير العربية تعيش اليوم مخاض ولادة أنظمة المصارف الإسلامية فيها، ولأن هذه الأنظمة لا تزال تواجه أخطار التشرذم، وضعف قيمة الأصول الفردية في بعض الأحيان، وتواجه بعض الضغوط لناحية كفاءتها التشغيلية، خصوصاً مع تراجع مستويات حقوق المساهمين خلال السنوات الأخيرة، يتحتم على المصارف تفعيل تواصلها المباشر وغير المباشر مع زبائنها كي تكون على قدر الثقة التي أودعوها وسيودعونها إياها، وكي تنجح في زيادة حجم أصولها، وتستقطب مزيداً من زبائنها المتوقعين، كما عليها ان تنجح في تقريب مفاهيمها الاقتصادية، وأساليب عملها التي لا تزال في حاجة الى مزيد من الانتشار الجماهيري والشعبي بطريقة سلسلة وبسيطة، بعيدة من المصطلحات الاقتصادية الجافة. ان هذا التحدي القادم أمام المصارف الإسلامية هو بعينه تحدي التعاطي مع وسائل الإعلام الجماهيري من خلال مشروع إعلامي واضح الرسالة والإستراتيجية والمعالم. فإما ان تبقى المصارف الإسلامية هي مصارف بعض المتعاملين في بعض البلدان، وإما ان تنجح في الوصول إلى كل المتعاملين في البلدان كافة من دون أي قيود دينية أو ثقافية أو أدبية. * مدير أول للعلاقات العامة في"شركة صحارى للاستشارات الاعلامية"