يبدأ في مصر اليوم أول استحقاق نيابي بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت الرئيس المخلوع حسني مبارك، لانتخاب مجلس الشعب الغرفة الأولى في البرلمان الذي سيوكل له وضع دستور جديد للبلاد، على رغم الأزمة السياسية واستمرار اعتصام الآلاف في ميدان التحرير وميادين عدة في محافظات مختلفة لمطالبة المجلس العسكري بتسليم الحكم لسلطة مدنية ممثلة في حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات كاملة أو مجلس رئاسي مدني يضم عدداً من الأسماء المتوافق عليها في التحرير الذي فقد بعضاً من أنصاره، إذ جذبت"مليونية الشرعية الثورية"أمس حشداً لم يتعد عشرات الآلاف بعدما نجح الشباب في حشد مئات الآلاف في مليونيتين دعوا إليهما يومي الجمعة والثلثاء الماضيين. وحض رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي المصريين على النزول إلى لجان الانتخاب والتصويت، وسعى إلى طمأنتهم بخصوص تأمين مقار الاقتراع في ظل مخاوف من أعمال عنف وشغب، فيما راهن التيار الإسلامي على مشاركة واسعة في عملية التصويت"تثبت أن غالبية الشعب مع إجراء الانتخابات ونقل السلطة عبر الصندوق". أما شباب التحرير المعتصمون للمطالبة بنقل السلطة، فرحب بعضهم بإجراء الانتخابات البرلمانية في ظل استمرار الاعتصام، فيما اعتبر آخرون إجراءها تحت حكم العسكر"معيباً". لكن كان هناك توافق على أن هدف الاعتصام هو نقل السلطة التنفيذية، وأن لا خلاف على انتخاب سلطة تشريعية. وقالت قيادات منهم ل"الحياة"إنهم سيدلون بأصواتهم في الانتخابات ثم يعودون للاعتصام. وتجرى الانتخابات البرلمانية بالنظام المختلط ثلثا البرلمان ينتخب بنظام القوائم والثلث بالنظام الفردي على 3 مراحل تشمل مرحلتها الأولى التي تنطلق اليوم محافظاتالقاهرة والإسكندرية وأسيوط والبحر الأحمر والأقصر والفيوم ودمياط وبورسعيد وكفر الشيخ. ويستمر الاقتراع في كل مرحلة يومين من الثامنة صباحاً وحتى السابعة مساء. ويشرف على عملية التصويت والفرز وإعلان النتائج 9530 قاضياً ويتنافس في الانتخابات بمراحلها الثلاث 6951 مرشحاً على المقاعد الفردية و590 قائمة حزبية. ويتشكل مجلس الشعب من 498 عضواً بمجلس الشعب على أن يتم اختيار ثلثي الأعضاء وعددهم 332 عضواً في 46 دائرة انتخابية بنظام القوائم الانتخابية المغلقة والثلث الآخر 166 عضواً بنظام الانتخاب الفردي في 83 دائرة انتخابية. وفي النظامين نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين. ويبلغ عدد الناخبين في محافظات المرحلة الأولى التسع 17.5 مليون ناخب يدلون بأصواتهم في 3307 مراكز انتخابية. ويتنافس فيها 3809 مرشحين بالنظام الفردي ونظام القوائم لشغل 168 مقعداً، منهم 2357 مرشحاً، وفقاً للنظام الفردي، يتنافسون على 56 مقعداً، إضافة إلى 1452 مرشحاً وفقاً لنظام القائمة الحزبية يتنافسون على 112 مقعداً. وإضافة إلى المنافسة على المقاعد الفردية، تتنافس في الانتخابات قوائم رئيسة عدة، الأولى قائمة"التحالف الديموقراطي من أجل مصر"التي تضم عدداً من الأحزاب على رأسها حزب"الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة"الإخوان المسلمين"، وقائمة"الكتلة المصرية"التي تضم أحزاب"التجمع"و"المصريين الأحرار"و"الديموقراطي الاجتماعي"، وقائمة تضم أحزاب السلفيين"الأصالة"و"النور"و"البناء والتنمية"، الذراع السياسية ل"الجماعة الإسلامية"، وقائمة"الثورة مستمرة"التي تضم ائتلافات شبابية ثورية وأحزاب شبابية إسلامية ويسارية ووسطية، إضافة إلى قائمة حزب"الوفد"وقوائم أخرى تضم نواباً وأعضاء سابقين في الحزب الوطني المنحل. وبدأت وحدات من القوات المسلحة أمس الانتشار قرب المقار الانتخابية لتأمينها. وتتابع الانتخابات مئات من منظمات المجتمع المدني المصرية و7 منظمات دولية بينها"مركز كارتر"الأميركي. وقال رئيس المجلس العسكري في تصريحات على هامش زيارته مقر قيادة المنطقة المركزية العسكرية أمس:"أخاطب شعب مصر العظيم الذي له حق الانتخاب في النزول للإدلاء بصوته"، مؤكداً الرغبة في"خروج الانتخابات بمجلس شعب متوازن يعبر عن كل الاتجاهات والفصائل". وأضاف أن"نجاح الانتخابات مرهون بنزول الناس في الشارع". وسعى إلى طمأنة الناخبين في ما يخص تأمين المقار الانتخابية، قائلاً إن"التأمين موجود ومصر الآن في مفترق الطرق، فإما أن تنجح وتسلم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أو أن تكون العواقب في منتهى الخطورة ولن نسمح بذلك"، موضحاً أن"من يؤمن الانتخابات ليس القوات المسلحة والشرطة فقط وإنما الشعب نفسه". وقال:"لن نسمح للعابثين بأن يتدخلوا في الانتخابات". وأشار إلى"تحديات خارجية ووجود رغبة من البعض لتدمير مصر". وأضاف:"لن نسمح بذلك، نحن صامدون بمصر وشعبها. مصر لن تنتهي ولن نسمح للقلة القليلة من غير الفاهمين أن ينالوا من استقرار البلاد، إذا لم يكن هناك أصابع خارجية، ما كان ذلك ليحدث". وعن وضع الجيش في الدستور الجديد، قال طنطاوي:"وضع الجيش كما هو في الدستور السابق والحالي والقادم وكل الدساتير، وسيبقى كما هو". وأكد أن"المجلس العسكري لم يتباطأ في تنفيذ إجراءات نقل السلطة في التوقيتات التي أعلنها بكل دقة لسرعة بناء الدولة الديموقراطية"، مشدداً على أنه"لا تهاون في اتخاذ كل الإجراءات القانونية تجاه أية تجاوزات وقعت خلال أحداث التحرير الأخيرة"التي أوقعت نحو 40 قتيلاً وأكثر من ألفي مصاب. وكان طنطاوي عقد اجتماعاً أمس مع عدد من المرشحين المحتملين للرئاسة ورؤساء الأحزاب وممثلي القوى السياسية للتشاور في شأن المستجدات على الساحة الداخلية. وشارك في اللقاء عمرو موسى وسليم العوا وحسام عيسى وممدوح حمزة ورؤساء أحزاب"الوفد"السيد البدوي و"الحرية والعدالة"محمد مرسي و"الوسط"أبو العلا ماضي و"النور"عماد عبدالغفور ومؤسس"المصريين الأحرار"نجيب ساويرس ونقيب المحامين سامح عاشور، فيما اعتذر عن عدم حضور اللقاء الدكتور محمد البرادعي والدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح ورئيس"الحزب المصري الديموقراطي الاجتماعي"محمد أبو الغار. وحضت قيادات إسلامية على التصويت في الانتخابات ووصلت إلى حد اعتباره"فريضة". وطالب رئيس"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"الدكتور يوسف القرضاوي المصريين جميعاً بالخروج إلى الانتخابات. وقال في تصريحات عقب لقائه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب:"أوصي المصريين جميعاً بألا يبيعوا أنفسهم لأحد، وألا تكون أصواتهم سلعة تشترى"، وأفتى بأن الذهاب إلى الانتخاب"فريضة". ودعا مفتي مصر الدكتور علي جمعة المصريين إلى"التكاتف من أجل إنجاح العملية الانتخابية باعتبارها أولى الخطوات في اتجاه الاستقرار". وحض الأمين العام لحزب"الحرية والعدالة"الدكتور سعد الكتاتني المصريين على ضرورة المشاركة في الانتخابات، مشدداً على"أهمية الصوت الانتخابي في تلك المرحلة الحساسة التي يصنع فيها مستقبل مصر". يأتي ذلك في وقت واصل الآلاف اعتصامهم في ميدان التحرير، كما استمر المئات في الاعتصام أمام مقر الحكومة، لكن الحشد في"مليونية الشرعية الثورية"بدا ضعيفاً مقارنة بالتظاهرات التي دعا إليها الشباب يومي الجمعة والثلثاء الماضيين. وتجمع عشرات الآلاف في ميدان التحرير أمس. وكان لافتاً انتشار حلقات النقاش في الميدان حول جدوى الاعتصام في ظل بدء العملية الانتخابية التي تمهد لنقل السلطة، وتباينت الآراء ما بين داعم للمشاركة في الانتخابات ورافض لها. وأعلنت حركات إسلامية انسحابها من ميدان التحرير، منها"حزب النور"السلفي و"الدعوة السلفية"و"الجماعة الإسلامية". واعتبر"النور"أن"المليونية هدفها تنصيب البرادعي رئيساً للوزراء". أما"الدعوة السلفية"فاعتبرت أن المجلس العسكري"استجاب لغالبية مطالب المتظاهرين وبالتالي لا جدوى لاستمرار التظاهر"، أما"الجماعة الإسلامية"فقالت إن"على القوى السياسية الانشغال بالانتخابات وفض الاعتصام". لكن شباب التحرير رفضوا هذا الطرح، معتبرين أن لا مشكلة في مواصلة الاعتصام مع سير العملية الانتخابية. وقال عضو"ائتلاف شباب الثورة"خالد السيد ل"الحياة"إن إجراء الانتخابات في ظل استمرار الاعتصام"يضاف إلى مساوئ إدارة الفترة الانتقالية، وكان الأفضل للبلد إرجاء الانتخابات في المحافظات التي تشهد احتجاجات إلى مرحلة لاحقة، لأن إجراء الانتخابات في هذه المحافظات سيؤثر على نسبة الناخبين خصوصاً في ظل الانفلات الأمني". لكن السيد أكد أن الائتلاف لا يطعن في شرعية الانتخابات على رغم إجرائها وسط أزمة سياسية، مؤكداً أن أعضاء الائتلاف سيصوتون فيها ثم يعودون للاعتصام. وكذلك أكد الناطق باسم"حركة شباب 6 أبريل"محمود عفيفي، وقال ل"الحياة":"سنذهب للتصويت ونعترف بشرعية الانتخابات، فلا مشكلة في إجراء الانتخابات في ظل استمرار الاعتصام". وأضاف أن"الانتخابات خطة لنقل السلطة التشريعية من المجلس العسكري إلى برلمان، لكن معركتنا مع السلطة التنفيذية، خصوصاً أن البرلمان المقبل لن يشكل الحكومة ولن يحلها". لكن نائب رئيس"الحرية والعدالة"عصام العريان لا يرى جدوى في استمرار الاعتصام. وقال ل"الحياة"إنه لن يمنع الناس من المشاركة في التصويت لأن الجميع يريد التعبير عن رأيه، مضيفاً:"إذا كان الإقبال على التصويت بالملايين، فعلى الجميع أن يحترم إرادة الجماهير... الشعب المصري قرر مصيره، ولن يحكم مصر إلا من يختاره الشعب عبر الصناديق، والسلطة لن تنتقل إلا إذا قبلنا بحياة ديموقراطية عبر الاقتراع". ودعا شباب التحرير إلى"التكاتف من أجل الضغط ليختار البرلمان المقبل الحكومة، لتصبح السلطة التنفيذية هي الأخرى مختارة من الشعب". وقال القيادي في حزب"البناء والتنمية"، الذراع السياسية ل"الجماعة الإسلامية"، طارق الزمر إن"هناك اتجاهاً لإفشال الانتخابات، ويجب أن نفشل هذا التوجه بالحرص على إنجاح العملية الانتخابية وحشد الشعب المصري للخروج والتصويت اليوم". وأضاف ل"الحياة"أن"غالبية المعتصمين في التحرير ستذهب للتصويت اليوم"، متوقعاً فوز حزبه بنحو 10 إلى 15 في المئة من مقاعد البرلمان. وقال نائب رئيس حزب"الوفد"المستشار بهاء الدين أبو شقة إن حزبه"على أتم الاستعداد لهذا الاستحقاق"، متوقعاً أن يحصد نحو"35 في المئة من إجمالي المقاعد"، لكنه رهن حصول ذلك ب"حضور كبير للناخبين، وأن تسير العملية الانتخابية بسلام". في المقابل، شكت الناطقة باسم"الديموقراطي الاجتماعي"هالة مصطفى من مضايقات يتعرض لها أنصار حزبها المنضوي في إطار"الكتلة المصرية"من أعضاء"الإخوان المسلمين". ورأت أن الأحداث الأخيرة أثرت بالسلب في فرص نجاح"الكتلة المصرية"في الانتخابات، إذ أن الأحزاب المنضوية فيها انشغلت بالأزمة الأخيرة، وتوقعت بألا تحصد أحزب الكتلة مجتمعة أكثر من 100 مقعد نيابي. من جهة أخرى، أ ف ب حض وزير الداخلية الفرنسي كلود غيان أمس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر على تسليم السلطة للمدنيين. وقال لوسائل إعلام فرنسية عدة:"أعتقد أن على السلطات المصرية أن تفرض النظام العام بطريقة مختلفة، وانه آن الأوان كي تنقل السلطة إلى المدنيين". وحتى الآن، كانت باريس تكتفي بالإعراب عن"قلقها"إزاء أعمال العنف في مصر، ودعت السلطات المصرية إلى الالتزام بموعد الانتخابات وبالمبادئ الديموقراطية. واعتباراً من الجمعة، حضت واشنطن السلطات المصرية على نقل السلطة إلى حكومة مدنية.+