مغارة جعيتا اللبنانية ليست من ضمن عجائب الدنيا الطبيعية السبع. هذا ما آلت إليه نتائج التصويت. وبصرف النظر عن النتيجة، وسواء أدرِجت المغارة أم لا، نجحت منظمة"عجائب الدنيا السبع الجديدة"السويسرية غير الحكومية في إحداث حراك عام وسط أجواء المهتمين بهذا النوع من التصنيفات، أو حتى غير المهتمين، إذ كان متوقعاً أن يصل عدد المشاركين في التصويت لاختيار هذه المواقع إلى بليون شخص، سواء عبر الهاتف أو موقع الإنترنت الخاص بالتصويت، على رغم الجدل الكبير الذي أحدثته هذه التصنيفات منذ انطلاقتها عام 2007 والتي عدتها منظمة اليونيسكو آنذاك غير علمية، لأن كل ما قامت به هو تسليط الضوء على عدد قليل من المعالم الطبيعية المشهورة في الأساس. وتطرح آلية التصويت الشعبي للعجائب المختارة كثيراً من التساؤلات، خصوصاً عن مدى إلمام المشاركين في التصويت بحقائق المواقع السبعة التي أجبِروا على اختيارها بالترتيب. إلا أن الحملات الإعلامية الضخمة التي شهدها العالم، خصوصاً في البلدان التي رشِّحت مواقعها للدخول في لائحة عجائب الدنيا السبع الجديدة، لم تترك مجالاً للتفكير في طبيعة التصويت وصحته وحرَفيته. وقد تكون الحملة الإعلامية الكبيرة التي شهدها لبنان قبل التصويت، والتي حضّت الجميع على التصويت، واحدة من هذه الحملات الكثيرة في العالم، التي فتحت الباب على أسئلة جديدة تتطلب من الدولة اللبنانية التفكير بها جدياً إذا كانت لديها الرغبة الحقيقية في إدراج كثير من المواقع السياحية اللبنانية على خريطة السياحة العالمية. ماذا لو ربحت جعيتا وأدرِجت على قائمة عجائب الدنيا الطبيعية السبع الجديدة؟ الإجابة حتماً مزيد من السياح، الذين ستتضاعف أعدادهم نحو هذا المَعْلَم الطبيعي، تماماً كما حصل مع البتراء في الأردن التي تضاعف عدد زائريها ثمانية أمثال عند إدراجها من ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة. تستلزم هذه الزيادة في عدد السياح التي يتطلع إليها لبنان، بنية تحتية وموارد بشرية قادرة على استيعابها. وقد تكون زيادة القدرة الاستيعابية للمطار الدولي الوحيد في لبنان والبالغة ستة ملايين راكب سنوياً مهمة أساسية لاستيعاب حجم السياحة المتنامي، وينسحب الأمر ذاته على المنافذ البحرية والبرية، إلى جانب إعادة النظر في تراجع نوعية الخدمات على الحدود، ما يؤثر في انسياب حركة السياح. وتشكل معالجة الازدحام المروري وتأمين المواصلات العامة اللائقة التي تسمح بتنقل السياح بين المناطق اللبنانية كلها في شكل ميسر وافتصادي تحدياً آخر، إضافة إلى تحدي معالجة تقنين الكهرباء، وتدني جودة الاتصالات، وتردي الرقابة على المؤسسات السياحية والخدمية، وانخفاض معايير النظافة في الأماكن السياحية والعامة، إلى جانب إمكانيات رفع القدرة الاستيعابية للفنادق التي تحتاج إلى نحو خمسة آلاف غرفة جديدة لإحداث توازن بين أعداد الوافدين والقدرة الاستيعابية الحالية، حسب تقديرات. قد يكون لبنان من الدول القليلة جداً التي نجحت في تحقيق أعلى معدل للنمو في مجال السياحة على الصعيد العالمي عام 2009، وفق مسح لمنظمة السياحة العالمية شمل 165 بلداً حول العالم، إلا أن قدرته على مواكبة هذا النمو للسنوات المقبلة تطرح أكثر من علامة استفهام، فالتحدي في قطاع السياحة اللبناني لا يكمن في كيفية اجتذاب مزيد من السياح، بل في كيفية تقديم خدمات تليق بحجم الثقة التي منحها السائح وقطاع السياحة العالمي للبنان. نعم، لم تنجح مغارة جعيتا في الانضمام إلى عجائب الدنيا الطبيعية السبع الجديدة، لكنها قد تنجح في تكوين تصور جديد لقدرة القطاع السياحي على مواكبة نموه المرتقب للسنوات المقبلة. * المدير الأول للعلاقات العامة في"شركة صحارى للاستشارات الإعلامية"