أمير الرياض يستقبل سفير سلطنة عمان لدى المملكة    SAUDI HOUSE في دافوس 2025.. منصة عالمية لاستشراف المستقبل وتعزيز التعاون الدولي    المملكة في "دافوس".. مسيرة ريادة وشراكات دولية نحو مستقبل مستدام    مفوض "الأونروا" يشيد بجهود المملكة في حل الدولتين وإنهاء الصراع في غزة    النائب العام يتفقد سير العمل في نيابة منطقة جازان ويلتقي بالمراجعين    بعد تأخير 3 ساعات.. الهدنة تعانق غزة    في 56 موقعاً.. الأحوال المدنية تنقل خدماتها للمستفيدين عبر وحداتها المتنقلة    أمير الشرقية يرعى اللقاء السنوي السادس عشر للجهات الأهلية    أمير الشرقية يهنئ الفائزين في معرض سيول الدولي للاختراعات 2024    امانة عسير تصادر 1680كيلو من الأغذية والملابس يتم بيعها وتخزينها بطرق عشوائية    مستقبل فينيسيوس بين يديه    سحب وإيقاف تراخيص 44 مكتب استقدام    استشهاد ثمانية فلسطينيين في غزة    «هيئة الإحصاء»: ارتفاع 3.6% للرقم القياسي لأسعار العقارات في الربع الرابع من 2024    المياه الوطنية: أنجزنا 118 مشروعًا بأكثر من 5.5 مليارات ريال عام 2024    القوات الخاصة للأمن البيئي تضبط مخالفين لنظام البيئة    5 محدّدات لرُخص الآبار الجديدة في الدرع العربي    «إعجابات الأصدقاء».. إنستقرام تعيد خاصية قديمة    شيخ قبائل المنابهة في عنزة السورية ل«عكاظ»: حمص تجاوزت الفتنة.. ولا عودة ل«حزب الله»    «الراجحي» حقق حلم السنوات ال10    التايكوندو يحتفي بالدوليين    يا علي صحت بالصوت الرفيع!    في الشباك    مليار و700 مليون وحدة بيانات تصنف المدارس ل4 مستويات    المملكة.. بوصلة العالم    «عين السيح».. تأسر عشاق التراث    الاكتئاب المبتسم.. القاتل الصامت    أكدت على الحقوق الفلسطينية وأشادت بجهود الوسطاء.. المملكة ترحب باتفاق وقف النار في قطاع غزة    الهلال يقترب من ضم موهبة برازيلية جديدة    الألمعي تعبر عن شخصية جازان    علاقة الاقتصاد بارتفاع الطلاق    تاريخ حي الطريف    تعزيز الفرص الاستثمارية في منظومة خدمات الحج    السديس: لحظة تاريخية استثنائية.. إطلاق أكبر هيكلة تنظيمية برئاسة الشؤون الدينية في الحرمين    ضبط أكثر من 21 ألف مخالف لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    تفوق الجراحة الروبوتية في عمليات الكبد    خطر منتجات النظافة الشخصية على الصحة    تناول الشاي الأخضر بانتظام يقي من الخرف    سالم الدوسري يحقق جائزة أفضل رياضي لعام 2024 ضمن جوائز «جوي أوورد»    ميزات زر قفل iPhone    كل أمر حادث هو حالة جديدة    الأمير فيصل بن سلمان يكرم عائلة أمين الريحاني بسيف صنع في السعودية    المملكة توزّع مواد إغاثية متنوعة في سوريا    أحزمة مذنبات بأشكال متنوعة    دور المرأة في قطاع التعدين بالمملكة.. الواقع والطموح    عميل لا يعلم    رون ولي وماتياس    تأثيرات صحية لاستخدام الباراسيتامول بانتظام    الجامعة في القصر    الشيخ الثبيتي: لا تطغوا بعلمكم ولا تغتروا بقوتكم    الشيخ السديس: حصّنوا أنفسكم وأولادكم بالأوْرَاد الشَّرْعِية    تطوير منصة موحدة للنقل في مكة المكرمة    رصد طائر البوم «الفرعوني» في شرق عرعر    الرئاسة العامة تشارك بورشة عمل بعنوان (رقمنة التوعية في أداء المناسك)    خطيب المسجد النبوي: احذروا أن تتحول قوة الشباب من نعمة إلى نقمة ومن بناء إلى هدم    «الخارجية»: نرحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة    «التويجري» ترفع الشكر للقيادة بمناسبة صدور الأمر الملكي بتشكيل مجلس هيئة حقوق الإنسان في دورته الخامسة    إطلاق كائنات فطرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علاقات الجيوش بالسياسة في ظل الربيع العربي
نشر في الحياة يوم 20 - 10 - 2011

يطرح سلوك الجيوش العربية في ظل الربيع العربي الكثير من الاسئلة، فالجيش في كل من تونس ومصر حسم الموقف لصالح قوى التغيير. في هذا، يمكن اعتبار الجيش في مصر وفي تونس جزءاً من قوى الثورة، لكن الجيش في كلا البلدين جزء من النظام القديم في الوقت نفسه. في كلا البلدين انقلب الجيش على النظام القديم في لحظة تاريخية وساهم في انقاذ كل من تونس ومصر من مجزرة وكارثة وطنية. أما الجيوش في كل من اليمن وليبيا وسورية، فلها أدوار مختلفة. في ليبيا، تحوَّل الامر الى مواجهة عسكرية، حيث قام الجيش وقواته بتصفية الكثير من المتظاهرين مما دفع قطاعات من الجيش للانضمام الى الثوار، ففي ليبيا وقعت سلسلة انشقاقات في صفوف الجيش إن صحت التسمية بينما بقيت قطاعات رئيسية منه مع القذافي وأبنائه الى ان حسم الوضع بفضل تدخل دولي وقتال قادته المعارضة الليبية. وفي اليمن، وقع توازن بين قطاعات من الجيش المؤيدة للرئيس علي عبدالله صالح وأخرى مؤيدة للثورة، وقد حشدت الثورة ملايين الناس في محاولة لحسم الموقف، ورغم ذلك مازالت القطاعات العسكرية حول صالح مصرّة على بقائه. إن التوازن في اليمن لم يحسم رغم تقدم المعارضة على أصعدة كثيرة ورغم عدالة قضيتها ومطالبها وتضحياتها. أما في سورية، فالشعب السوري يقاتل وحيداً في معركة يستخدم فيها الجيش السوري قدراته النارية لقتل المعارضين والمتظاهرين السلميين. وبينما يزداد الجيش السوري بطشاً، تزداد الانشقاقات في صفوفه من قبل الرافضين لهذا البطش، هذا قد يؤدي مع الوقت الى بناء جيش بديل يتولى مهمة الدفاع عن الشعب السوري.
في كل مكان، في ظل الربيع العربي، نجد اختلافاً في ردود الفعل على التعامل الأمني مع المتظاهرين، وذلك حسب طبيعة النظام السياسي وطبيعة الجيش والمجتمع، ففي المجتمعين المصري والتونسي الأكثر تجانساً، بحكم تكون الطبقة العاملة والاتحادات والمجتمعات المدنية، من الصعب زج الجيش في الحرب والقتال ضد الشعب، فالتكوين النفسي للجيش المصري مرتبط بكونه انعكاساً للمجتمع، فهو جيش وطني مثله في هذا مثل الجيش التونسي، لا يقوى على مواجهة شعبه، بحكم ارتباط قادته بمهمته التاريخية وهي حماية الوطن والحدود.
وبينما الجيش العربي السوري ذو التاريخ القديم جيش وطني قاتل اسرائيل في حروب عدة، إلا أنه مر بتحولات كثيرة، من أهمها تسييسه بصورة كبيرة وهدم روحه الاحترافية في ظل حكم حزب البعث منذ ستينات القرن العشرين. الجيش السوري أصبح ملاذاً لطائفة علوية كانت مهمشة قبل انقلاب الأسد عام 0791، ثم تعزز هذا الملاذ في زمن الرئيس السابق حافظ الأسد عبر تهميش طوائف أخرى، من أهمها الطائفة السنية التي تمثل أغلبية السوريين. وقد أدى هذا الوضع الى إضعاف الجيش السوري وجعله أكثر ارتباطاً بتوجهات عائلة الأسد. إن قتال الجيوش ضد الشعوب مدمر للجيوش ولقدراتها الوطنية، وهو في النهاية مدمر للنسيج الوطني. هذا ما أمكن تفاديه في مصر وتونس ولم يتم تفاديه في سورية وليبيا واليمن.
وعندما تتشكل الجيوش في ظل الخوف من الآخرين من أبناء الوطن، أكانوا أغلبيات او أقليات ستفقد هذه الجيوش حتماً الروح الوطنية. من هنا، يتحول الجيش الى قوة تحمي نظاماً وفئة أو قبيلة أو طائفة وليس بالضرورة الوطن والأرض والمستقبل. إن الجيوش الخائفة تتحول مع الوقت الى حالة من الكراهية لفئات رئيسية في المجتمع، مما يخلق نظرة مشوهة لدورها في الحماية الوطنية.
لهذا، فالقول ان الجيش السوري جيش عقائدي فيه الكثير من المبالغة، فحزب البعث في سورية سقط منذ ان اصبح الحكم السوري وراثياً عائلياً، تماماً كما سقط الحزب نفسه في العراق في ظل سيطرة أقلية عائلية سنية على أغلبية شيعية وأقلية كردية غير عربية. لقد استمرت حالة الخوف من كل شيء ومن معظم الشعب متحكمة بالوضع السوري، الى ان وقعت الثورة السورية في شهر آذار مارس مطالبة بتغيير قواعد الوطن والوطنية.
لهذا، يعيش الجيش السوري حالة انشقاق نفسي ومعنوي واخلاقي وضميري تنعكس على حالات تمرد وانسحاب وهروب من الجيش باتجاه مناطق اخرى. إن علاقة الجيش بالثورة في سورية سوف تتطلب حتماً ملاذاً آمناً للعناصر المنشقة عن الجيش السوري، وفي هذه الحالة ستكون عملية بناء جيش بديل عن الجيش الراهن عملية ضرورية.
أما في بقية الدول العربية، وعلى الأخص في الدول الملكية، فالعلاقة مع الجيوش مرت بمراحل، وهي تبدو ساكنة في ظل الربيع العربي، فكما يبدو على السطح، يبدو أن الجيوش في تلك البلدان تخضع لشرعية السياسيين، وهذا يعني انها تقبل بشرعية الاسر الحاكمة. والجيوش لم تكن أساسية في تشكيل الدول الملكية، ففي السعودية كان الأساس مرتبطاً بأسرة آل سعود، وفي الكويت بأسرة الصباح، وفي الاردن بالهاشميين.
ان أجنحة من الاسر الحاكمة في دول مجلس التعاون بالتحديد، بإمكانها ان تلعب دور الجيوش في الدول الجمهورية، فللأسر الحاكمة شرعية تاريخية، تضعف وتقوى. هذا الإجماع على الشرعية الملكية حدَّد دور الجيوش. الأسر الحاكمة في دول مجلس التعاون لم تكن بحاجة الى شراكة مع الجيش لتقوي شرعيتها وتحافظ عليها، وقد ساهم النفط وحالة التوزيع والرفاه الذي نتج عنه في تعزيز هذا الوضع. ومع ذلك، لا يشترط ان تبقى هذه المعادلات، في ظل تحديث الجيوش وزيادة ميزانياتها وتطور الحراك الشعبي المحلي، في مكانها، فالبحرين على سبيل المثال مثَّلت حالة جديدة أصابها التوتر في ثالوث العلاقة بين الجيش والشعب والنظام.
وهناك من جهة أخرى دور للجيوش في بلدان كالأردن والمغرب، وقد عُرف عن الجيوش هناك مشاركتها بانقلابات كبرى خاصة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ويجب ان نلاحظ أن الجيوش في الدول العربية عموماً، وخاصة بعد موجة الانقلابات العسكرية قد جرى تهميشها بصورة كبيرة لصالح الامن والاستخبارات والاجهزة، وهذا يعني امتلاك الجيوش لدور أقل على كل صعيد، نسبة إلى الأجهزة الأمنية وتأثيرها. لكننا في مرحلة مفاجآت، فالجيش المصري المهمش نسبة إلى الأمن والاستخبارات استطاع تفعيل دوره في لحظة تاريخية، لهذا نستنتج بأنه لم يعد هناك من ضمان للأنظمة في علاقتها بالجيوش وحتما بالشعوب، سوى السعي للإصلاح العميق والتحاور مع القوى المختلفة والمعارضة في سبيل بناء حياة سياسية ديموقراطية يكون أحد نتائجها إبقاء الجيوش في ثكناتها.
لقد غير الربيع العربي وضع الشعوب، لكنه أيضاً غير موضع الجيوش في المعادلة العربية. الربيع أبرز دوراً جديداً لقوى جماهيرية لم تكن فاعلة حتى الأمس القريب. الربيع العربي يعكس تفجر السياسة على المستوى الشعبي بينما يدفع بلا توقف بجيل جديد يطالب بدور وحقوق وعلاقات جديدة بين الحاكم والمحكوم وبين العسكريين والسياسيين. نمر في مخاض كبير يتجاوز لعبة الشطرنج التي تحكم علاقة السياسيين بالجيوش. إننا نشهد الآن تغيراً كبيراً يساهم في تأسيس قواعد جديدة للعبة.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.
ShafeeqGhabra@: تويتر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.