تمكن قراءة رواية"الممثل"دار الغاوون، بيروت، 2011 للجزائرية شريفة فداج على أكثر من محور: تمجيد المسرح،, تحية للمسرحييْن الجزائرييْن عبدالقادر علولة وعز الدين مجوبي اللذين قتلا سنتي 1994 و1995 خلال موجة قتل الفنانين والمثقفين الجزائريين. والمحور الثالث المعاناة التي يعانيها الممثل وهو ينتقل من شخصية الى شخصية اخرى، وضريبة الشهرة التي يدفعها من جسده ونفسه في هذا التبدل. وهنا تركز الكاتبة، التي أصدرت روايتها الاولى هذه على ان"الممثل"هو فكرة الكاتب يقولبها كما يشاء. ولا تعود الشخصية فقط هي فكرته. وهذا لعب على معنيين: ان الشخصيات في الادب هي فكرة الكاتب، عكس ما كتبه بيراندللو في"ست شخصيات تبحث عن مؤلف"حيث يبدو ان بعض الناس"يفرضون"أنفسهم على المؤلف ليختارهم، والمعنى الثاني ان بطلها فريد"الممثل"هو أداة لروايتها، العبثية هذه. أما يبدو المسرح والفنون عموماً عبثاً بعبث؟ تبدأ الرواية بمشهد مسرحي يؤديه فريد وأمال، ومنه نستشف التخلف في النظرة الى المرأة، والمفاهيم التي يفرضها عليها المجتمع حتى وهي كاتبة ناجحة مثل سارة بطلة الرواية، والتصور ان حياتها لا تكتمل الا بالزواج. ويترك هذا العرض انطباعاً بأننا أمام رواية عبثية وهي تتضمن الكثير من هذا، خصوصاً في البداية والخاتمة وإن كان سياق الاحداث منطقياً بينهما، وقد تذكّرك بالافلام السينمائية، فهي بعدد صفحاتها وحواراتها تصلح لذلك، إذا لم نُغفل ان المؤلفة شريفة فداج هي كاتبة مسرحيات ايضاً ومعجبة بالكاتب الالماني جورج بوشنر الذي نقل الكتابة المسرحية الى ما يشبه السيناريو السينمائي. هكذا لا يجدي البحث عن فريد اين اختفى وكيف اختفى بل لماذا؟ لأنه فكرةٌ في النهاية. تمجيد المسرح يظهر بالمعلومات القليلة التي تبثها المؤلفة في سياق السرد، والتساءل عن سبب تخلف المسرح في العالم العربي والتحليل والتحريم الذي يصيبه، خصوصاً مع اتساع الموجة الاصولية. والتحية للمسرحيين الجزائريين تمت بذكر علولة ومجوبي اللذين لم يتوقفا عن العمل المسرحي رغم التهديدات التي تلقياها، وهنا لا يسعنا الا ان نؤيد البطل فريد وهو يبحث عن ذرائع انسحابه من هذا العمل، إذ يقول"الناس اوغاد ينسون الجميع، ينسون حتى من هم أحياء"فالممثل أو الفنان منسي في مثل بلادنا. ويبقى ان وصف فريد وهو يتقمص شخصياته ويفرغ طاقته في الدور، وصفٌ ينطبق على أي فنان يملك مخزوناً من المعارف والتدريب يضعه دفعة واحدة كل مرة في عمله حتى يحس انه فرغ ويحتاج الى ملء خزّانه المعرفي مجدداً كأنه يقارب الموت كل مرة وبجب ان يرضع من الحياة، ثم ان العبث يظهر في الخاتمة عندما يتساءل"هل انا الممثل الوحيد؟ هل يعقل ان الجميع يفعل ذلك؟ نحن اشخاص غير الذين نعرفهم ونراهم". فكل انسان متعدد الشخصيات في خلاصة الامر. تتداخل هذه المحاور الثلاثة الآنفة الذكر خلال السرد ومنها نطّلِع على أحد اسباب تخلف المسرح، وهي سبب مشترك بين البلدان العربية، نتعرف عليه في شخصية سعيد مدير المسرح الذي كان سمسار عقارات وتحوّل مسرحياً. وفي الفساد واستلاب حق الممثلين والعاملين في المسرحيات، مادياً ومعنوياً. وتحول الوسط الثقافي عموماً الى استنفاع ومنفعة للمقربين. والرواية تدور كما نلاحظ في وسط فني وثقافي، تدل على عيوبه باختصار وبالقدر الكافي ليفهم القارئ الحالة العامة لأن الموضوع هو الممثل. وتدور الاحداث بين بلدين تجري المقارنة بينهما في سياق السرد، فرنسا والجزائر، وهو ما يصعب تفاديه عندما يكون الموضوع الثقافة، أي المقارنة بين الشرق والغرب. وبما ان معظم الابطال ينتمون الى الطبقة الوسطى المثقفة ويحلمون"بالهروب الى الخارج"تصير المقارنة لمصلحة الخارج. ويشعر أي مثقف بالغربة في بلده وتلك كانت حال فريد القادم من فرنسا وحال سارة وغيرهما، حتى المواطن العادي. الكل يبحث عن تأشيرة سفر. فما بالك إن كان حائزاً الجنسية الفرنسية كفريد. وهناك اكثر من إشارة في النص الى الأوضاع الاقتصادية المتردية.