الدراجات النارية تسير في كتائب مرصوصة، وبعض الصفوف الأمامية يبلغ عدد دراجاتها العشرين. وحين يكتظ السير، يقود الدراجون مركباتهم عكسه أو يتركون الطريق الى الرصيف. ويذكر الزائر أن قبل عشرة أعوام كان السير يقتصر، في هانوي ومدينة هوشي منه، على الدراجات الهوائية، وتجتاح اليوم طرقات المدينتين ملايين المركبات من هوندا وتويوتا وبياجيو. والضجيج دائم والتلوث عالٍ، ويتساءل المرء عن مصير العيش في عاصمة الشمال وغريمتها الجنوبية، سايغون سابقاً، حين تحل السيارات محل الدراجات النارية في غضون السنوات القادمة. والمزاج العام يميل الى التفاؤل. ويحتفل الفيتناميون، وعددهم 86 مليوناً، بألف عام على إنشاء هانوي، و220 عاماً على ولادة هوشي منه، أبي الاستقلال. والعلم الفيتنامي، يرفرف في كل مكان، والى جنبه بيارق حمر طبعت عليها المطرقة والمنجل وتذكر بأن فيتنام هي من أواخر البلدان التي تنتسب الى الماركسية، وقبل 20 عاماً، كانت بين أفقر بلدان العالم، ولكنها اليوم"أثيرة الواهبين". وتبلغ الهبات السنوية والقروض الدولية واليابانية 5 بلايين دولار. ومنزلتها على سلم المداخيل منزلة وسط بين الفقراء والأغنياء، وتطمح الى بلوغ منزلة الأمم الصناعية في 2020. وتجر نمو الاقتصاد الفيتنامي قاطرات الاستهلاك الداخلي والتصدير الى الأسواق الخارجية ودفق من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين 10 بلايين دولار في السنة الواحدة و11.2 بليون. فوسعه تخطي الأزمة العالمية من غير تعثر. وبلغ النمو في 2009، 5.3 في المئة، نظير 7-8 في المئة في الأعوام السابقة. وساندت النمو خطة تحفيز بلغت 10 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، فاقمت عجز الموازنة. ويتوقع أن تبقى فيتنام في صدارة بلدان جنوب شرقي آسيا نمواً 6.5 في المئة. وتستوقف الزائر إرادة نجاح محمومة يبديها السكان. وتلاحظ موظفة في وكالة دولية أن"الناس كلهم هنا يتولون أمورهم بأنفسهم، وإذا ضاق المكان، عمدوا الى التسلل! والمسؤولون عمليون وليسوا أيديولوجيين، وما تختبره فيتنام منذ 15 عاماً مدهش". وتنهض استراتيجية البلد منذ 1987، سنة الانتقال الى اقتصاد السوق، على إرساء موقع قوي على المسرح الدولي. وهو انضم، في 1995، الى"أسيان"رابطة أمم جنوب الشرق الآسيوي. ووقع اتفاقاً تجارياً، في 1999، مع الولاياتالمتحدة، ما أتاح له الانطلاق فعلاً. وفي 2007، دخل منظمة التجارة العالمية عضواً تاماً. ويرى مستشار التجارة الخارجية الفرنسي مع فيتنام، جان ميشال كالداغ، أن الفيتناميين"على بينة من مقصدهم، وهم يريدون بلوغه بإرادة لا تلين، وهم مفاوضون يهاب جانبهم، وغالباً ما نخرج من مفاوضتهم في حال زرية، والبند الأول في سياستهم التفاوضية تضمّن الاتفاق برنامج تأهيل على التكنولوجيا ونقل لها. وهم متعطشون الى التعلم تعطشاً لا يرتوي". وفيما تشهد المدن نشوء طبقة متوسطة فعلية، تعاني الأرياف العوز. ويقدر فوتري ثانه، المدير المساعد للمعهد الوطني للبحث والإدارة الاقتصادية، أن"الفقر المدقع انحسر من 70 في المئة الى 11 في المئة من السكان، بينما التفاوت الاجتماعي يستقر في البنيان الاجتماعي ويترسخ، وهو في مقدم مشاغلنا وأولويات معالجاتنا في الأعوام القادمة". ويراكم بعض الفيتناميين في هانوي ومدينة هوشي منه ثروات عظيمة. والأغنياء الجدد يستثمرون الأموال في العقارات، فالعملة الوطنية، الدونغ، غير قابلة للتحويل. ولا يثق الفيتناميون في عملتهم، ويؤثرون عليها الدولار والذهب. ويتظاهر المزارعون، اصحاب الأراضي المصادرة، والعمال الذين يتقاضون أجوراً زهيدة، دورياً. ويبعث الفساد والبيروقراطية وضعف كفاءة النافذين المحليين الأهالي على التذمر والشكوى. ولكن قبضة الحكام شديدة، والمتذمرين مشتتون، ويروي أستاذ الاقتصاد في جامعة هانوي، دانيال فان هوت، أن طلابه لا يتسترون على رغبتهم في الإثراء،"فإذا لم يمنعنا الحزب الشيوعي من تحصيل الثراء فنحن نؤيد الحزب!". وعلى هذا، يزداد الطلب، ومعه الواردات، ويحتل الميزان التجاري. وفي 2009، تقلّصت الصادرات من الأنسجة والأحذية وغيرها الى الأسواق الأميركية والأوروبية واليابانية 10 في المئة، جراء الأزمة. فتبرز مسألة الصين، الجار الكبير، بروزاً مقلقاً ومزعجاً. والحق أن العجز في الميزان الصيني - الفيتنامي، ويبلغ 10 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي الفيتنامي، هو علة ثلثي العجز التجاري، على ما يرى جان - بيار شابونيير، عن الوكالة الفرنسية. فلا تألو هانوي جهداً في تعويض الاختلال من طريق الاتجار مع الولاياتالمتحدة وأورويا، على رغم الإدلال بالصداقة مع بكين. وفي 2011، يعقد الحزب الشيوعي الحاكم مؤتمره الحادي عشر، ويجدد طاقم قيادته. وتقضي خطة الحزب بإرساء توازن اقتصادي عام بين القطاعات والسيطرة على التضخم والمضي على النمو. والسبيل الى انجاز الخطة استقطاب استثمارات اضافية، وحسم مسألة البنية التحتية التي يفتقر اليها البلد، وتعهد التأهيل المهني الضعيف، ويقلق المراقبين جمع الحزب الحاكم بين النظام الشيوعي والاقتصاد الرأسمالي، فالاقتصاد الرأسمالي يؤذن بجموح الحصان المولود منه، بينما تتمسك القيادة باحتكار الإدارة والتخطيط. * مراسلة، عن""الفرنسية، 5/6/2010، إعداد وضاح شرارة نشر في العدد: 17239 ت.م: 16-06-2010 ص: 25 ط: الرياض